م.م محمد منصور
في عالمنا المعاصر أصبحت الكاميرا امتدادًا لليد والعين لا تفارق أحدًا في هاتف أو حقيبة ولم يعد التصوير مجرد مهارة فنية، بل مسؤولية أخلاقية تتطلب وعيًا بالسياق واحترامًا للإنسان فالصورة اليوم لم تعد مجرد لقطة لحظة بل أداة مؤثرة قادرة على تحريك الرأي العام كما في صور أطفال غزة تحت الأنقاض التي هزّت ضمير العالم أو استخدامها بسوء نية للتشهير كما يحدث حين تُنشر صورٌ متجزأة لتضليل المتلقي أو تشويه السمعة .
في هذا الواقع بات من الضروري أن نناقش أخلاقيات التصوير خاصة في ظل تدفق المحتوى البصري الهائل عبر المنصات الرقمية فليست كل عدسة بريئة ولا كل مصوّر واعيًا بعواقب ما يلتقطه .
من الأخطاء الشائعة أن يظن البعض أن وجود الشخص في مكان عام يبيح تصويره دون إذن فيلتقطون صورًا لأشخاص في لحظات ضعف أو ألم، طفل يبكي في الشارع أو مريض يحتضر في المستشفى أو فقير يمد يده خجلًا في هذه الحالات الاستئذان ليس خيارًا بل واجب والكرامة الإنسانية يجب أن تسبق الحماسة للانتشار أو التفاعل .
وفي عالم الصحافة حيث تُقال دومًا عبارة “الصورة بألف كلمة” تتحول الكاميرا إلى سلاحٍ فاعل في تشكيل الوعي العام لكن ما إن يُعبث بالصورة—بالتعديل أو الاقتطاع أو التركيب—حتى تفقد وظيفتها الإعلامية وتتحول إلى أداة تضليل، كم من صورة جرى التلاعب بها لتغيير السياق السياسي أو الاجتماعي وكم من مشهد حُذف منه عنصرٌ مقصود ليخدم رواية معينة، النزاهة هنا ليست فنية فقط بل مهنية وأخلاقية .
أما برامج التعديل فقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من عملية الإخراج تُستخدم لتصفية الألوان وتحسين الإضاءة، غير أن التعديل يصبح خطرًا حين يتجاوز ذلك إلى تزوير الواقع كإخفاء ندبة من وجه لاجئ ليبدو “أنظف” أو إزالة مشاهد دمار لتخفيف وقع الكارثة فالفن لا يبرر التضليل والإخراج لا يبرر طمس الحقيقة .
وفي حملات التوعية تكثر صور المعاناة ، أطفال حفاة أمهات يائسات، خيام ممزقة، لكن يبقى السؤال هل التُقطت هذه الصور بروح الرحمة أم بدافع اصطياد “اللقطة الموجعة” التي تضمن الانتشار؟ إن تصوير الفقر والمعاناة يجب أن يُقدّم بكرامة لا كوسيلة لاستدرار الشفقة أو جذب التبرعات .
في النهاية لا تحمل الكاميرا ضميرًا بل من يحملها هو من يقرّر كيف تُستخدم هي أداة صامتة قد تبني وعيًا أو تهدمه، توثق الحقيقة أو تزورها والسؤال الجوهري ليس في التقنية بل في النية هل نُصوّر لننقل الواقع بصدق أم لنصنع واقعًا وهميًا يخدم أهدافًا خفية؟
إنه سؤال أخلاقي بامتياز يحدد ما إذا كنا نحترم الإنسان في صورته، أم نختزله إلى وسيلة نفعية لا أكثر .