يوسف آغا ديركي (1885–1972): “آغي كوردًا” الذي عاش من أجل كرامة شعبه

* ماهين شيخاني

في ذاكرة مدينة الدرباسية التي تقف على ضفاف الخابور كقلعة شاهدة على تقلبات الزمن، يبرز اسم يوسف آغا ديركي، الملقب بـ “آغي كوردًا”، كرمز للنضال الكردي والكرامة الوطنية. رجلٌ تجاوز حدود العشيرة والقرية ليغدو صوتًا جهوريًا للقضية الكردية في زمن الصمت، وضميرًا شعبيًا لم ينحَنِ أمام العسف، ولم يُساوم على حق.

جذور أصيلة وشخصية استثنائية

وُلد يوسف آغا عام 1885 في بلدة ديركا جيايي مازي في ماردين، من عائلة معروفة تنتمي إلى وجهاء وأغوات منطقة “عباسا”. وورث عن آبائه العزيمة وحسّ القيادة، حيث انتقل في الثلاثينات من القرن الماضي إلى مدينة الدرباسية في سوريا، ليبدأ هناك مسيرة جديدة كعامل وبائع للملابس الجاهزة، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مرجع اجتماعي وسياسي في المنطقة.

علاقات وطنية ووعي مبكر

عُرف عن يوسف آغا وعيه القومي المبكر ومناصرته لقضية شعبه في زمن ندر فيه أمثاله. ربطته علاقات وثيقة بكبار الشخصيات الكردية في دمشق وحي الأكراد، مثل الأمير جلادت بدرخان، الذي ساعده في توزيع مجلة “هاوار” عام 1932، وكذلك د. نورالدين ظاظا، وملا حسن هشيار، والشاعر الكبير جكرخوين، الذي كان صديقًا حميمًا له، إضافة إلى علاقته المميزة مع مام جلال طالباني الذي زاره في المستشفى الفرنسي بدمشق عام 1962، وقال له ذات مرة: “عندما تصبحون يداً واحدة سأكون بخير”.

مواقف لا تُنسى
لم يكن يوسف آغا زعيمًا تقليديًا، بل شخصية متمردة على الظلم والطغيان، حتى أنه اعتُقل وعُذّب مرارًا أيام حكم أديب الشيشكلي بسبب مجاهرته بالقضية الكردية. يُروى أن أحد المحققين وضع أمامه صحن شعير وقال له ساخرًا: “أنت رئيس الأكراد، فكلْ شعيرًا”، فما كان من نساء الدرباسية إلا أن خرجن في تظاهرة تقودها زوجته فاطمة (فاتيّة) تطالب بالإفراج عنه.

وفي مواجهة خطر “حلف بغداد”، شكّل يوسف آغا جيشًا شعبيًا من أبناء الدرباسية لحماية الحدود، وكان يرى أن النضال من أجل الحقوق لا يتناقض مع حب الوطن السوري، بل يتكامل معه.

مواقف إنسانية وتقدمية
لم يكن آغي كوردًا رجلاً طائفيًا، بل كان مناهضًا لكل أشكال التمييز. تصدى لخطاب الكراهية، ورفض تدخل المتشددين في حياته الخاصة. حين اتهم أحدهم كهربائيًا مسيحيًا بأنه “كافر”، طرده يوسف من بيته قائلاً: “أنت الكافر يا هرج الإسلام”. لم يكن يرتاد الجوامع بل كان يصلي في بيته احترامًا لدينه بطريقته، وكان يصطحب أحفاده إلى الكنيسة بكل فخر.

الوفاة ووصية لا تُنسى
توفي يوسف آغا في 28 تموز 1972، ودفن في مدينة الدرباسية، وفق وصيته بأن يكون قبره شمال شرق المقبرة ليطل على كردستان تركيا من الشمال وكردستان العراق من الشرق. ومنذ وفاته، بات قبره مزارًا ورمزًا، خاصة في ليلة عيد النيروز، حيث تُشعل النيران بالقرب منه وفاءً لتاريخه ومكانته.

تكريم وتقدير
في عام 1970، تلقى يوسف آغا رسالة تعزية من الرئيس المصري أنور السادات يشكره فيها على تعزيته بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر، في دلالة على مكانته واحترامه الواسع عربيًا. حملت البرقية الرقم 525 وصدرت من القاهرة.

إرث ممتد
خلّف يوسف آغا أبناءً وأحفادًا ساروا على دربه، منهم حسين ديركي المصوّر المعروف، وكنجو ديركي مدرب الفتوة في سبعينات القرن الماضي، والعقيد كينجو ديركي، الذي خدم في الجيش السوري، إلى جانب حفيده الكاتب لقمان ديركي الذي وثّق الكثير من ذكريات الجد المناضل.
كلمة أخيرة
لم يكن يوسف آغا ديركي مجرّد رجل من التاريخ، بل كان وجدانًا حيًّا لكرد سوريا، ومرآة تعكس كفاح أناس آمنوا بحقهم في الحياة والكرامة. لقد عاش “آغي كوردًا” من أجل أن يسمو الكُرد، وصار قبره علَمًا في أرضٍ لا تنسى رجالها.

تنويه : نُشر بدافع الوفاء لذاكرة مناضل، ولأجل التوثيق التاريخي لشخصية ساهمت بصمت لكنها بقيت شاهدة على روح لا تُكسر.

قد يعجبك ايضا