د. محمد طه الهدلوش
إن تحديد معنى الإثبات ومفهومه في مجال القانون لا يتأتى إلا برد الكلمة (إثبات) إلى أصلها في اللغة العربية. والإثبات في اللغة هو: ” تأكيد الحق بالدليل، يقال اثبت حجته أي أقامها وأوضحها ” . أما في اصطلاح فقهاء القانون فإن الإثبات أو (البينة) هو: ” إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية متنازع عليها بما ينبني عليه من آثار”.
فالإثبات وفقا لهذا التعريف هو الوسيلة الوحيدة التي يعتد بها القانون لتأكيد وجود الواقعة محل النزاع أو عدم وجودها، ومن ثم إمضاء الآثار القانونية الموضوعية المترتبة على تلك الواقعة. وبالتالي فأن تأكيد وجود الواقعة محل النزاع أو نفيها لا يقبل من غير إثبات، كأن يعتمد القاضي في حكمه على فصاحة الخصم قوة عبارته، ونحو ذلك.
وقد اهتم بعض الفقهاء في تحديدهم لمعنى الإثبات بمسألة القيود التي يفرضها المشرع على مسألة الإثبات، فعرفوا الإثبات بأنه: ” إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون وبالقيود التي رسمها على وجود واقعة قانونية متنازع عليها ” . ويبدو من هذا التعريف تركيز هؤلاء على الإطار القانوني الذي يمثل قيداً على عملية الإثبات من حيث تحديد طرق الإثبات في عمومها أولاً، ومن حيث التقيد بالشروط والضوابط التي سنها المشرع بالنسبة لكل طريق من طرق الإثبات من الناحية الثانية.
و كما هو واضح فإن كلا التعريفين لا يخرج عن المعنى العام الذي شاع بين فقهاء القانون لهذا المصطلح.
بيد أن التعريف الذي نختاره لمصطلح الإثبات – وهو التعريف الذي قال به بعض فقهاء القانون – هو: ” تقديم الدليل المقبول أمام القضاء بالطرق المقررة على واقعة قانونية محل نزاع بين الخصوم “. فهذا التعريف يتسم بالدقة و الوضوح والبساطة من جانب ، كما يتسم بالإحاطة بمعنى الإثبات وعناصره من ناحية ثانية، بحيث يغنينا عن غيره من التعريفات.
وكما هو واضح من تعريف الإثبات السابق فإن المقصود هو (الإثبات القضائي)؛ أي الإثبات الذي يتم عن طريق تقديم الدليل أمام القضاء أو المحكمين أو الموفقين – وهو في هذا يختلف عن الإثبات بالمعني العام، أي ذلك الإثبات المجرد من كل قيد، ولا يكون أمام القضاء كالإثبات العلمي، والإثبات التاريخي فكل من هذين النوعين الأخيرين من الإثبات يتم بأي وسيله كانت بحثا عن الحقيقة المجردة.
والإثبات القضائي بمعناه القانوني، يتعين أن ينصب علي وجود واقعة قانونية أو نفيها، ذلك أن محل الإثبات ليس هو الحق المتنازع عليه؛ بل محله الواقعة القانونية المنشئة لهذا الحق سواء أكانت هذه الواقعة عملا قانونيا، أي تصرفا قانونيا كالبيع أو الوكالة، أم كانت واقعة مادية كالعمل غير المشروع