حين يتوحّد الكورد… يعود الدستور ويتقدّم الخيار

د. ابراهيم احمد سمو

في ظل صباحات تتكرّر فيها الإهانات السياسية، وتُستنزف فيها الحقوق الدستورية، يتنامى سؤال جوهري في الوعي الكوردي: ماذا لو انسحبت الكتل الكوردية من بغداد؟
ليس من عراقٍ فيدرالي كما يُفترض، بل من عراقٍ مركزيّ الهوى، فاشلٍ في تطبيق أبسط مبادئ الشراكة.
الجواب المبدئي بسيط ومؤلم في آنٍ واحد: لن يحدث شيء يُذكر على المستوى الظاهري، لكن في عمق المشهد، ستحدث هزة أخلاقية وسياسية كبرى، لأن الكرامة الكوردية ستُثبت أنها لا تُقايض بالمناصب، ولا تُقيَّم بحسابات الموازنة. فالعزّ لا يأتي بالذلّ، والذلّ لا مكان له في قاموس الكورد.

لطالما كان الصبر الكوردي طويلًا، والمراهنة على الحلول السلمية خيارًا ثابتًا، لكن لا ينبغي أن يُفهم هذا الصبر ضعفًا، ولا يُحسب هذا التحمّل قبولًا بالظلم. لقد حان الوقت لوضع النقاط على الحروف، لا بالشعارات، بل بخطوات سياسية واعية.

وحدة الموقف لا تعني الحرب، بل بداية التغيير

ماذا لو اجتمع الكورد – كقوى سياسية ونخَب اجتماعية ومؤسساتية – وأصدروا بيانًا تاريخيًا موقعًا من الجميع؟
بيانًا لا يدعو للانفصال، بل يضع الأمور في نصابها: إما تطبيق الدستور بكل مواده، دون انتقاء، وإما العودة إلى داخل الإقليم، وتنظيم الشأن الداخلي، ماليًا، سياسيًا، وإداريًا.

لن يكون ذلك تهديدًا بقدر ما هو إعلان كرامة، وتأكيد على أن الشراكة لا تُفرض بالإكراه، بل تُبنى على الاحترام والعدالة. خطوة كهذه ستُعيد ترتيب أوراق بغداد، وتفرض على الأطراف الأخرى – لا سيما الحلفاء المترددين – مراجعة حساباتهم.

المحور الداخلي: لحظة التكاتف أم الفرصة الأخيرة؟

ما يُبشّر اليوم أن بعض ملامح التحرك الداخلي قد بدأت بالظهور، لا سيما عبر الحشود القبلية العربية، وزعماء الكتل السنية، ممن عبّروا – بشكل مباشر أو ضمني – عن وقوفهم إلى جانب الرئيس مسعود بارزاني في مطالباته الدستورية. هذه ليست مجرد تعاطف عابر، بل تحوّل نوعي قد يؤسس لتحالف أوسع، يعيد للكتل الكوردية وزنها الحقيقي ضمن المعادلة العراقية.

لكن هذا وحده لا يكفي. المطلوب اجتماع عاجل قبل عيد الأضحى، يجمع القوى الكوردية – وفي مقدمتها الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني – ليس من أجل توزيع المناصب، بل لتوحيد الصفوف، وبالذات في الملفات الحساسة: العسكرية، الأمنية، والمالية.
فلا يمكن الحديث عن وحدة موقف خارجي دون جبهة داخلية متماسكة، تبدأ من البيت الكوردي، وتتجسد في التنسيق الميداني والسياسي الكامل.

المحور الخارجي: استثمار اللحظة الإقليمية والدولية

الوضع العالمي تغيّر. الحرب في أوكرانيا أعادت تعريف الأولويات، والصراعات في الشرق الأوسط باتت تُقرأ بعيون جديدة. هناك فراغات سياسية تبحث عن من يملؤها، وتحالفات تتشكّل على أسس المصالح لا الانتماءات.

في هذا السياق، يستطيع الكورد – إن أحسنوا توظيف أوراقهم – أن يكونوا رقماً صعبًا.
الانفتاح على الحلفاء الإقليميين، والتنسيق مع الدول الكبرى، لا يجب أن يكون هامشيًا أو ظرفيًا، بل جزءًا من استراتيجية شاملة تُعلي من صوت كوردستان وتثبت أنها لا تُؤخذ كطرف ضعيف بل كشريك يُحسب له ألف حساب.

الرِّيفراندوم ليس تهديدًا… بل كارت استراتيجي

حين تتوحّد الصفوف، ويتكامل الداخل مع الخارج، يصبح بإمكان القيادة الكوردية إعادة طرح ورقة الاستفتاء (الريفراندوم) لا كأداة انفصالية، بل ككارت استراتيجي يؤكد أن للشعب الكوردي الحق في تقرير مصيره إذا استمرت خروقات الدستور والتنصل من الالتزامات.

الريفيراندوم ليس بالضرورة بابًا للانفصال، بل وسيلة ضغط مشروعة ضمن السياقات الديمقراطية، تؤكّد أن كوردستان لا تُهدَّد بل تُحترم، وأن لها الحق الكامل في أن تفتح أي خيار إذا أُغلقت في وجهها كل الأبواب.

خاتمة: حين يصمتُ الآخرون… يتكلم الكورد

التاريخ الكوردي لم يُكتب بالانتظار، بل بالفعل والموقف.
وحين توحّد الكورد صفوفهم في السابق، انتزعوا حقوقهم، وأجبروا من ظنّهم ضعفاء على الجلوس إلى الطاولة.
اليوم، المشهد بحاجة إلى نفس الروح، لا من أجل مواجهة بغداد، بل من أجل إنقاذ ما تبقّى من الدستور، ومن الدولة نفسها.
إذا صمت الآخرون، فليتكلم الكورد… صوتهم بات ضرورة، لا خيارًا.

قد يعجبك ايضا