صراع الكورد من اجل سيادة الامة

لطيف دلو

تعرض الكورد إلى ابشع انواع التطهير العرقي والصهر في بوتقة قوميات الحكومات التي انقسمت عليها كوردستان الكبرى وفي كوردستان الحمراء في ناكورنو كرباغ صمد بكل صلابة وحافظ على هويته لكونهم من اعرق القوميات واقدمها في عمق التاريخ قبل ان تتولد اسماء قوميات كثيرة في الحياة البشرية ، استوطنوا منطقة واسعة من الشرق الاوسط وورد تواجد الكورد في عصر النبي ابراهيم 1861 – 1686 ق م بان زوجته سارة كوردية من كوردستان الشمالية ويقال كما في الروايات الشفوية في محمل الصدق بانه كوردي من شرق كوردستان انذاك وهاجرالى اور في العراق ومنه الى مناطق اخرى كذلك النبي سليمان 985 – 932 ق م ، بانه كوردي من احد الابوین وهناك رواية اخرى ناتي اليها لاحقا ، لذلك يعتقد بان الكورد أعتمدوا هوية الاديان التي انتموا اليها بامتياز و انعطفوا جانبا عن الهوية القومية وما زلنا بصدد عمق الكورد في التاريخ فان الميتانيين اجداد الكورد القدامى ، اسسوا دولتهم الميتانية – 1500 ق م وعاصمتها واشوكاني على نهر خابور وامتدت سلطتها على جميع مناطق كوردستان واخت احد ملوكها تدعى نفرتيتي تزوجت من الملك الفرعوني اخناتون 1369 ق م وبعد وفاة زوجها اصبحت اميرة على مصر كما أشارت اليها الكاتبة الكوردية المصرية درية عوني ومن قدم التاريخ ايضا تصدت قوات كوردية في شمال كوردستان الى قوات يونانية غازية بالقرب من معمورة العزيز وهكاري ودياربكر 401 ق م واعادتها على اعقابها متقهقرة ومن ابرز شواهد الكورد تاريخيا هي ملحمة كاوة الحداد 700 ق م التي انبثقت منها اعياد نوروز التي يحتفل الكورد بها الى يومنا هذا وهي رمز للتضحية والنضال وان اسلوب صياغة وروعة رواية الملحمة تدل على تفوق الكورد ادبيا منذ القدم وكذلك من كتاب افيستا المقدس للديانة الزردشتية كتب باللغة الكوردية يعود تاريخه الى مئات السنين قبل الميلاد بنفس الحروف التي نسميها بالعربية اليوم * وتجاهلوها الكورد لانشغافهم للتوحيد .
يؤكد المسعودي 942 م بوجود الكورد في اقليم الجبال في اذربايجان وكان احد رؤسائهم يسمى ب ( شا دلوية ) ومن المۆکد هو الجد الاكبر لعشيرة دلو الحالية ، يحكم اقليما واسعا يشمل اذربايجان واران والبلقان وارمينيا ويضيف بان كانت مجموعة من اليعاقبة المسيحيين الكورد في الموصل وجبل الجودي وبتواجد الكورد في كرمان وسجستان وفي خراسان واصفهان والجبال وحول الكوفة وفي البصرة وبين العراق وفارس وفي همدان وشهر زور ودراباد و السميغان واران واذربايجان وارمينيا وفي الجزيزة وفي سوريا ويقول في كتاباته بان الكورد قد تحدروا من اطفال إماء الملك سليمان الذين انجبهم العفريت المسمى ب ( جساد ) الذي طرده الملك الغاضب الى الجبال ومن معتوهية العبارة يظهر انهم كانوا مستغربين و معجبين بشجاعتهم وبسالتهم التي لا نظيرة لها ولا يهابهم الخوف واتخذوا الجبال واصعب المناطق سكنا و كانوا اصحاب العزم و اشداء على الاعداء ومن هذا المنطلق عبروا اعجابهم بالكورد بهذا الشكل بعقلية منافيا للاية الكريمة وخلقنا الانسان في احسن تقويم وكذلك الاية انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل ، بعكس الاوربيين الذين لقبوا الكورد بفرسان الشرق بكل ما فيها الكلمة من مدلولات ووقائع تاريخية وأتخذوها من الحروب الصليبية وغيرها 0
ومن تاريخ الكورد ، يوسف ايوب شادي الملقب بصلاح الدين ، القائد الذي دحر الصليبين وحرر القدس في 2/10/1186 واسس الدولة الايوبية 1171- 1250 في مصر وشملت سوريا والعراق واليمن والجزيرة العربية وبعد وفاته في 4/5/1192 انقسمت دولته بين ابنائه وغلب عليهم طابع النزاعات والدسائس الى ان سقطت دولتهم على ايدي المماليك وفي ايران اسس كريم خان الزندي دولة يمكن ان نسميها الدولة الزندية وحكم قرابة ( 45 ) عاما من 1750 الى 1795 وامتدت دولته جنوبا الى ان احتل البصرة وبعد وفاته اشتدت الخلافات والصراعات الدموية والتصفيات الجسدية بين افراد اسرته مما ادت الى سقوطها على يد القاجاريين في عهد اخر امراءها لطف علي خان الذي خانه احد اعوانه بتسليمه الى زعيم القاجاريين الذي افقآ عينيه وعذبه الى ان مات ونبش قبر كريم خان الزندي لامحاء اثره 0
لم تكن للدولتين الايوبية والزندية جهدا مشهودا في صناعة الهوية القومية للكورد لان في ذلك العصركان الطابع الديني والقبلي طاغيا على الحس القومي الى القرن التاسع عشرولكن صنعتا تاريخا حافلا عن وجود الكورد كقوم مؤثر في كلا العهدين 0
قاد الشيخ عبدالسلام بارزاني ثورة ضد الاحتلال العثماني لكوردستان ولكنها لم تلق دعما قوميا لضعف الانتماء القومي بتاثيرات توجيهات دينية بالوله والشعاف للسلطة العثمانية المحتلة لكوردستان تحت عبا ءة الدين واصيبت الثورة بانتكاسة ولاذ قائد الثورة الى منطقة اورمي واثناء عودته لمعاودة الثورة القي القبض عليه في الطريق من قبل مجموعة كوردية وسلمته الى السلطات العثمانية واعدم في الموصل بتاريخ 14/12/1914 في عهد الوالي سليمان نظيف وهو من اصول كوردية 0
بالرغم من ان كوردستان كانت محتلة من قبل الدولتين الصفوية والعثمانية الا انها كانت غير مجزئة تحديدا كما هي اليوم بل جزاتها دول الحلفاء في الحرب العالمية الاولى بمعاهدة سايكس بيكو في 16 ايار 1916 وقطعتها الى اربعة اجزاء واخضعتها تحت سيطرة اربع دول مارقة في العنصرية وعدم الاعتراف بالاخر لكي لا تلتام جراحها انتقاما لوقائع تاريخية في الحروب الصليبية وضلالة فرسان الحميدية من الكورد استخدمتهم السلطة العثمانية لمآربهم الخاصة لمعادات الاديان الاخرى ، وتعرض كل جزأ من كوردستان في الدول الاربع الى سياسة التطهير العرقي والتهجير والترحيل وتغيير القومية ونهب الاموال والممتلكات الشخصية ومنع ممارسة الثقافة القومية وكل دولة بمواقيت واساليب خاصة بها 0
بتاريخ 7/7/ 1923 في عهد الرئيس الروسي لينين تاسست ادارة كوردية في منطقة ناكورنو كرباغ ثم تحولت الى مقاطعة كوردستان ذات الحكم الذاتي شبه المستقل وسميت بكوردستان الحمراء وتراس مجلس ادارتها حسي حاجيف الا ان الايادي الخبيثة في القيادة الاذرية وبتنسيق مع تركيا الكمالية قد اطالتها نوايا خبيثة في عهد ستالين مما ادت الى اهمالها واعادة ضمها الى اذر بايجان عام 1930 وترحيل سكانها الى شمال روسيا منها سيبيريا وقرقيزيا واوزبكستان وكراسندار وتركمانستان وغيرها تحت اشد الظروف قساوة وفي عام 1989 صدر قرار من مجلس السوفيت باعادة هيكلة التشكيلات الادارية القومية الملغية في حين كانت كوردستان الحمراء غير ملغية ولكن لم يتوفق الكورد كالقوميات الاخرى من احياء ها والعودة اليها لاسباب يصعب التطرق اليها وفي جوهرها دق اسفين التفرقة الدينية بينهم من قبل الاذريين لابعادهم عن المطالبة بحقوقهم القومية والعودة الى كوردستان الحمراء واُفلت نجمة كوردستان الحمراء من سماء قوقازيا 0
لم تشهد كوردستان استقرارا امنيا لعدم تجاوب المحتلين للمطالب القومية للشعب الكوردي فقام الشيخ محمود الحفيد بعدة ثورات متتالية من 1919 الى 1931 وتصدى الثوار للقوات البريطانية المحتلة في معركة ضارية في منطقة دربند بازيان واصيب الشيخ بجروج واسر وحكم عليه بالاعدام ومن ثم خفض الى عشر سنوات سجن ونفي الى الهند وبعد سنتين اعيد الى كوردستان في 30 ايلول 1922 واعلن نفسه ملكا على كوردستان في تشرين الثاني 1922وطالب السوفيت الاعتراف بحكومته وعلى اثرها هاجمت القوات البريطانية باسناد طائراتها الحربية السليمانية عدة مرات فاحتلتها واضطر الشيخ محمود الخروج من المدينة الى المناطق الجبلية واشتبكت قواته في منطقة اوباريك مع القوات البريطانية والمرتزقة الكورد باسناد طائرات حربية فاضطر الشيخ محمود وقواته الانسحاب الى منطقة سكرمة ومن ثم سلم نفسه الى السلطات ونفي الى جنوب العراق وعاد الى السليمانية في 11 مايس 1941 اثناء ثورة رشيد عالي الكيلاني ومن ثم وافقت الحكومة على اقامته في قريته داري كلي ولايخفى على البال كانت هناك قبائل كوردية اسندوا الانكليز والحكومة العراقية ضد ثورته ،
ومن الثورات ضد المحتلين قام الثائر الكوردي سعيد بيران باعداد ومستلزمات ثورة تحررية في كوردستان الشمالية لتاسيس دولة كوردية مستقلة على ان تندلع شرارتها مع اعياد نوروز في 21/3/1925 الا ان الخيانة حالت دون اكمال متطلباتها حيث قامت صعاليك من قبيلة كوردية بكشف خيوطها لحكومة انقرة فهاجمتهم بتاريخ 22/2/1925 قبل اكمال استعداداتها وتلاشت الامال وباءت الثورة بالفشل وقتل وشرد الالاف من الكورد واسر قائد الثورة وكوكبة من الثوار المناضلين واعدموا بتاريخ 7/6/1925باوامرمشددة من رئيس الوزراء عصمت انونو من اصول كوردية.

وفي ثورتي بارزان 1932 و 1945 استخدم النظام العراقي بمعاونة بريطانية سياسة النعرات القبلية في المنطقة ضد الثورتين بشتى الوسائل ووصلت الى تحريك الهاجس الديني و السلطوي القبلي لتحقيق ماربهم في خلق ماجورين من كورد المنطقة لمحاربة الثوار مع القوات العراقية باسناد طائرات بريطانية قصفت 79 قرية ودمرت فيها 1365 بيتا في الثورة الاخيرة وحدها وتحت تلك الضغوط باءت الثورة بالفشل والتحق ثوارها بجمهورية كوردستان الفتية في مهاباد والتي اعلن عنها قاضي محمد بتاريخ 22/1/1946 فعصفت بها الخيانة و الخلافات بين قادتها وتدهور الحالة الاقتصادية وانسحاب السوفيت من مساندتها سقطت بتاريخ 15/12/1946 ودخلتها قوات ايرانية وفي مقدمتهم حلفاءهم القبليين من رجال دي بوكري ومامش ومنكورالمعارضين لقاضي محمد وفي 31/3/1947 اعدمت حكومة شاهنشاه قاضي محمد وشقيقه وابن عمه في ساحة جوارجرا وسط المدينة كما نفذ حكم الاعدام في بقية اعضاء الحكومة بعد اسبوع من ذلك والتجا مصطفى البارزاني مع مقاتليه الى الاتحاد السوفياتي في مسيرة ملحمية عبر المناطق الحدودية لكل من العراق وتركيا وايران وكانت قوات تلك الدول تتعقبهم بضراوة واخيرا عبروا نهر اراس ووصلوا الى الاتحاد السوفياتي بامان بتاريخ 15 حزيران 1947 وعاد شقيقه الشيخ احمد مع عوائل البارزانيين الى منطقتهم في العراق0
اندلعت ثورة ايلول التحررية بقيادة البارزاني الخالد بتاريخ 11 ايلول 1961 بعد عودته من الاتحاد السوفياتي ضد الحكم الاستبدادي والمطالبة بالحقوق القومية للشعب الكوردي والديمقراطية للعراق عقب احداث مؤلمة وتعرضت الثورة الى خلافات داخلية والى معارضات قبلية اسندوا انظمة بغداد ضدها الا انها تغلبت على تلك المصاعب بسهولة وخلال عمرها تفاوضت قيادتها مع الانظمة المتعاقبة على السلطة في بغداد عدة مرات الا ان الانظمة تلك رفضت المطالب الكوردية الى ان عقدت اتفاقية 11 اذار 1970 باعتراف النظام بالحقوق القومية للشعب الكوردي ولكنه تراجع عن تنفيذ البيان واندلعت المعارك من جديد في اذار 1974 الى ان انهك النظام قواه وخشية الانهيار اقدم الى حياكة مؤامرة دولية ضد الثورة بتاريخ 6 /3/1975 في الجزائر على حساب سيادة العراق لدرأ فشل قواته في المعارك وبعد عام بدات الثورة الكوردستانية الجديدة وحدثت فيها ماسي والام قد تعود اسبابها الى اطالة أمد الثورة ودسائس اقليمية ولكن لحسن الحظ لم تكن فيها اطراف رابحة او خاسرة واصبحت عبرة لن تتكرر ولن تعود لضراوة تاثيرها على القضية القومية واستمرت الثورة الى سقوط النظام في 9نيسان2003 والاعتراف بحكومة اقليم كوردستان وفق الدستورالعراقي لعام 2005 والتي سبق وإن شكلت بجهود كافة الاحزاب المشاركة في النضال.

بعد تشكيل اكثر من حكومة منتخبة في بغداد بإستعانة كوردية لم تتغير سياسة الحكم تجاه الحقوق القومية والدستورية للكورد وأهملوا الاصلاحات الواردة في الدستور لبناء نظام ديمقراطي يوحد صفوف المكونات ويعيد اليهم الحرية ورد الاعتبار والمساوات والاموال والممتلكات المغصوبة منهم وامام هذا الموقف يجب على الكورد توحيد الكلمة والرأي ودفن الخلافات للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه لامة كانت رائدة بين الامم واليوم يشهد لها العالم كما كانوا فرسان الشرق ابان العصور والعهود الماضية ، فكل امة إن لم توحد صفوفها تجاه التهديدات على سيادتها فمستقبلها الصهر والاستعباد حيث ما نشاهدها اليوم في الساحة السياسية الكوردية من الخلافات وتفرق الكلمة هي التي اوصلت الكورد الى ما في الماضي والحاضر وتذكرنا بالمقولة التي كتبها الدكتور عبد المنعم ماجد في كتاب الدولة الايوبية في عصر مصر الاسلامي ، بان الكورد خلائق لا تحصى لولا الفتنة وتفرق الكلمة تحصدهم لفاضوا البلاد ، فهذه تذكرة لمن يخشى لعنة الاجيال القادمة إن نفعت الذكرى 0
المصادر
تاريخ الكورد الحديث – ديفيد مكدول – ترجمة راج ال محمد
برنامج تلفزيوني عن الحروف والكتابة الكوردية
كتاب الكورد في المصادر القديمة – جي ئار درايفر – ترجمة فؤاد حمه رشيد

26 مايس 2025

قد يعجبك ايضا