لا نهدد ولا نتنازل عن حقوقنا

شيركو حبيب

كان من المفترض بعد عام ٢٠٠٣ و بعد تصويت أكثرية مكونات العراق على الدستور الدائم عام ٢٠٠٥، بناء عراق جديد مبني على الدستور و القانون و التعايش المشترك و التوافق، ورغم إجراء انتخابات ليختار الشعب ممثليه في البرلمان و الحكومة كانت التطلعات إليهما كبيرة ليمثلا الجميع، إلا أن الواقع جاء مختلفا.

فحتى اليوم، الخروقات الدستورية مستمرة تارة مع هذا المكون و تارة مع ذاك، البعض اعتبر أن مكونهم قد تعرض لأبشع الجرائم إبان العهد البائد ولابد َمن الانتقام، ورغم أن الجميع تعرضوا للجرائم إلا أن الكورد كان لهم نصيب الأسد من البطش و الإرهاب،رغم ذلك صاروا صمام الأمان لعراق ديمقراطي فيدرالي تعددي، وهم أول من رفع شعار الديمقراطية للعراق عند تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الأب الروحي للشعب الكوردي ملا مصطفى بارزاني الخالد، في وقت كان البعض لم يسمعوا بالديمقراطية.

وقد ساهم الشعب الكوردي للدفاع عن العراق من الأنظمة المتسلطة على رقاب الشعب، ودفع ثمنا باهضا، ابتداء من التهجير و التعريب و الأنفال و استعمال الغازات الكيماوية المحرمة دوليا بحقه، لكن اليوم نجده أمام اضطهاد متكرر من نوع جديد، تمارسه حكومة اتحادية لا تنظر إلى مرجعية النظام الفيدرالي.

يجد الكورد أنفسهم أمام قرار حكومي تعسفي يؤدي إلى زعزعة البلاد و عدم الاستقرار، وإذا كان البعض يظنون بأن هذه الأعمال غير الدستورية قد تؤدي إلى حرب أهلية و زعزعة العلاقات الأخوية بين العرب و الكرد فهم واهمون، فلا الشرفاء من الكورد و لا العرب مع تدهور العلاقات الشعبية.

فبالأمس القريب زار عدد كبير من شيوخ و رؤساء العشائر العربية العراقية الزعيم الكوردي مسعود بارزاني و أشادوا بدوره و الشعب الكوردي في الحفاظ على العلاقات الكوردية العربية واستقبال كوردستان لأعداد كبيرة من النازحين و اللاجئين العرب، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها إقليم كوردستان، وهذه ليست هبة أو منة، بل واجب وطني و إنساني وشعور بالمسؤولية التي يجب أن نتحلى بها جميعا.
فالعقل والمنطق والوطنية تتطلب من الجميع العمل بحكمة و حذر، وعدم الانجرار وراء السراب وأجندات أجنبية لا تخدم العراق.
إن قرار عدم إرسال رواتب موظفي إقليم كوردستان أو توزيعها بعد بقية موظفي المناطق الأخرى من العراق، يصور الكورد وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهذا مرفوض، و يؤدي إلى عدم الشعور بالانتماء إلى العراق، ولا يخدم المصلحة العليا للوطن، وهذا القرار لم يبن على أساس دستوري أو قانوني، وإنما على فكر متعصب وحقد ضد شعب كوردستان، الذي لا يهدد ولن يتنازل عن حقوقه بالتأكيد.

إن استمرار تلك الأزمات المتعلقة بحصة الإقليم في الموازنة العامة للعراق وافتعالها وتكرارها خاصة في مواسم الإنفاق العالية كالأعياد والمناسبات الدينية، تشير بالتأكيد إلى إصرار الحكومة على إدخال النكد والحزن على بيوت الكورد في العراق، وهذا ما ستواجهه حكومة إقليم كوردستان بكل حزم، حماية للسلام الاجتماعي والاستقرار لعوائل هؤلاء الذين قدموا التضحيات الكبرى في مواجهة كل خطر هدد البلد كله، والحكومة الاتحادية لا تعي بالتأكيد أن هذه الأفعال تخلق مبررات حقيقية للتطرف الذي تنشأ في ظله بيئات مولدة لتنظيمات مثل داعش، الذي لم يتخلص منه العراق دون دور البيشمركة، والذي لا تزال أسباب عودته حاضرة، وأولها سياسات الحرمان والإفقار.

قد يعجبك ايضا