*ماهين شيخاني
[صوت الراوي – خارجي محايد] كانت المدينة في قبضة الريح. المسيرات تُنظَّم كما تُنظم الطقوس القديمة، والجميع ملزمٌ بالحضور. من لا يشارك، لا يُعتبر وطنيًا. الشتاء يلف المدينة بردائه الأبيض الشاحب، والريح تصفر كأنها تُنشد نشيد الولاء القسري. الشوارع مبتلة، السماء رمادية، والأسلاك تتمايل كأنها تُحيي المسيرة.
—
[صوت أم آراس – داخلي / الأم المهمّشة] (تفكر وهي ترتدي معطفها) “آه يا ولدي آراس، اسمك وحده صار بطاقة حمراء في عيونهم. بسببك صرتُ منبوذة، وهذا أحسن… لا مسيرة، لا صياح، لا أكاذيب. أريد فقط العودة لأولادي… البرد قاسٍ اليوم، مثل قلوبهم.”
—
[صوت المدير – سلطوي / لغة خطابية] (يخطب أمام المعلمين، يرتب نظارته) “أيها الرفاق! أنتم حُماة الوطن بالفكر والسلوك. نريد منكم اليوم أن تكونوا في المقدمة، لا بين التلاميذ فقط، بل أمامهم! التهرب خيانة، والتخاذل عار. الرفيقة أم آراس، لكِ أن تتريثي، الوطن يعرف تضحيتك في تربية الأجيال.”
—
[صوت الرفيقة المشاكسة – ساخر متردد] (تهمس لأم آراس) “زمهرير! لا أطيق هذا الطقس… معطفك دافئ، أليس كذلك؟ تكرمي علينا يا أم آراس المدعومة! نحن في جبهة واحدة… مجبرين لا أبطال!”
(بعد أن ترتدي المعطف وتدخل الصف) “جميلٌ هذا الدفء… لكن، ما هذا في الجيب؟ ورقة؟!”
—
[صوت الرفيقة المشاكسة – داخلي مذعور] (تقرأ الورقة بسرعة) “يا ويلي! نشرة حزبية كردية؟ معارضة؟! سيقولون إنني أنتمي لحزب محظور! سأتهم بالخيانة! لا لا، يجب أن أتخلّص منها… الآن!”
—
[صوت الراوي – خارجي] في الخارج، كان الجميع يردد الهتافات، يتصبب عرقهم تحت الجليد. كانت الريح تلاحق الخطى، والبرد يسري في العظام، لكنه لم يكن أبرد من ذلك الرعب الذي تسلل إلى قلب الرفيقة المشاكسة.
—
[صوت الرقيب – المراقِب الخفي] (من بعيد، بنبرة لاهثة من لذة التربص) “رأيتُها… نعم، تحاول الانسحاب. تلك الخطوات المرتبكة، اليد التي تخبئ شيئًا. سأمشي خلفها، لن أدعها تضيع. يبدو أن المعطف أثقل من أن يُخفي سرًّا بهذا الحجم.”
—
[صوت الرفيقة – داخلي أخير] (تحاول الهروب) “كل الطرق تؤدي إلى المصيدة… أريد شارعًا خاليًا… أريد حاوية نفايات! شيء ما أُخفي فيه الورقة! هل هناك عين تراني؟!”
—
[صوت الرقيب – منتصر] (يراقبها وهي تطرق باب منزل في الزقاق) “وقعتِ في الفخ، أيتها الحمقاء. المعطف أخطأ جسدك، لكنه لم يُخطئ قدري. اليوم سأدوّن اسمك في سجلٍ لن يُمحى.”
—
[خاتمة – صوت الراوي / تعليق مفتوح] لا أحد يعلم ما جرى لاحقًا، فالمعاطف تتشابه، والورق يطير… لكن في تلك المدينة، كان لكل جيبٍ حكاية، ولكل معطفٍ ثمن.