البارزاني المرجع والملجأ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

د.سعد الهموندي

البارزاني المرجع والملجأ هو عنوان كتاب بقلم الدكتور سعد الهموندي مستشار الرئيس مسعود بارزاني و رئيس مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية، الذي يتضمن محطات مهمة من شخصية الرئيس مسعود بارزاني ومواقفه وبعض الأحداث، التي جعلت منه مرجعًا سياسيًا يستشار ويأخذ بتوجيهاته ونصائحه عند حدوث الأزمات والأنسدادات السياسية ، وملجأ لجميع العراقيين اثناء المحن والظروف الصعبة، لذلك نسعى من خلال نشر اجزاء الكتاب ان نلقي الضوء على خصوصياته الأخلاقية ومواقفه ازاء خصومه و صبره وحنكته وذكائه في التعامل مع المواقف الصعبة التي واجهته سواء اثناء ايام الكفاح المسلح او عند النزول من الجبل لينشأ اقليمًا عامرًا مزدهرًا و يصبح رقمًا صعبًا في المعادلات السياسية والتوازنات في العراق والمنطقة.

 

الحلقة الثانية والعشرون

 

البارزاني عراب السلام في الشرق الأوسط:

بين الفينة والأخرى تزداد حدة التوترات في الشرق الأوسط، ومع كل توتر يرتفع التصعيد السياسي والعسكري، وهذا هو ما يجر الى ويلات الحروب والدمار البشري والاقتصادي، في حين أن أي خطوة نحو خفض التصعيد يجب أن يُرحب بها، ولكن قد تكون هذه الخطوات غير كافية، خصوصًا في غياب قنوات الاتصال المنتظمة رفيعة المستوى بين الجهات التي يمكن أن تكون فاعلة في إدارة تخفيض حدة الصراع.

فالحاجة للجهود الدبلوماسية سواء لتخفيف حدة التوترات أو لتحقيق التقدم نحو تسوية الصراعات الإقليمية أمر مهم وضروي، وهو ما حاول ويحاول البارزاني تقديمه من خلال إطلاق حوار إقليمي شامل بهدف تقليص مخاطر بروز أي صراع غيرمقصود.

 

لقد ظلت ذكرى ذلك النجاح حية في الأذهان عبر عدد من المبادرات، التي كانت في كثير من الأحيان بقيادة منظمات غير حكومية ومراكز أبحاث، مع التركيز على أجزاء أخرى غير مستقرة من العالم، بما فيها الشرق الأوسط، وكان أحد الأمثلة على هذا النوع من العمل تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2011، وضع خريطة لعملية السلام ضمن ورشات عمل حول الحاجة لبنية أمنية شرق أوسطية، وحينها قدمت أربيل نفسها لتكون منطقة دبلوماسية تعمل من أجل إحلال السلام.  

 

وهنا يمكن المجادلة أن الشرق الأوسط في وضع خطر، كما كان دائمًا في تاريخه الحديث، ويمكن لحادث واحد أن يطلق شرارة التصعيد، التي إن لم يتم ضبطها من شانها أن تطلق تفاعلًا تسلسليًا من المواجهات العنيفة التي تشارك فيها قوى محلية، وإقليمية وخارجية.

 

والآليات التي تم اعتمادها لتسوية صراعات منفردة، مثل الحربين في سورية واليمن، بشكل سلمي تحقق تقدمًا متقطعًا، هذا إذا كانت تحقق أي تقدم، فقبل أن تشتعل في حرب كاملة، فإن الاهتمام الذي تجتذبه يمكن أن يخلق فرصًا جديدة للقيام بعمل وقائي.

لقد كانت فكرة قيام حوار أمني جماعي وشامل يهدف إلى تخفيف حدة التوترات موجودة منذ عدة سنوات، وتركزت على منطقة الخليج أولًا، وقد تأخر إطلاق هذه العملية أكثر مما ينبغي.

وهنا تتمثل الخطوة الأولى في الأفكار التي قدمها مسعود البارزاني في عدة اجتماعات له مع الوفود الخليجية التي زارت إقليم كُردستان من جهة، وضمن مبادرات الزيارة إلى بعض دول الخليج من جهة ثانية، في تقديم أفكار ملموسة لخلق دعم دولي لمثل ذلك الحوار، والذي يمكن أن يفتح قنوات جديدة للاتصال بين الجهات المتصارعة، ولتعظيم فرص النجاح في الوصول إلى حل ينهي الحروب ويحل السلام.

وهنا أكد البارزاني على ضرورة دعم الجهود بداية من دول الخليج بدعم دبلوماسي فعال من الحكومات الأوربية أولًا، وعلى الفور انعكس هذا الجهد إلى حقيقة ملموسة في الوضع السوري الداخلي، فتمت المبادرة بإيقاف الحرب الأهلية السورية.

وإذا ما أردنا أن نبحث أكثر في الأسباب الكامنة وراء التوترات الحالية سنجد أن الخيوط ترشدنا إلى الخصومة المستمرة منذ أربعة عقود بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة، وبين إيران من جهة ثانية، وهذا التوتر جعل بغداد ودمشق وصنعاء ساحات اقتتال وحرب أهلية الخاسر في هذه الحرب هي الشعوب.

كما أن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في عام 2015 وإطلاق حملة ممارسة (أقصى درجات الضغط) عبر العقوبات الاقتصادية على إيران عام 2018 جعل الأمور تزداد توترًا، وهنا شهدنا ما كان يخشاه البارزاني من ظهور حوادث عنيفة.

فظهرت هذه الحوادث بهجمات على سفن الشحن في مضيق هرمز وخليج عُمان في أيار/مايو وحزيران/يونيو عام 2019، وإسقاط إيران في 20حزيران/ يونيو طائرة مراقبة مسّيرة أميركية، قد تكون أو لا تكون دخلت المجال الجوي الإيراني؛ وهجوم صاروخي واسع النطاق على منشآت أرامكو النفطية في السعودية في 14أيلول/سبتمر، وفي 3 كانون ثاني/ يناير 2020 اغتالت طائرة أميركية مسيرة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وهو وحدة قوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإسلامي، وكذلك تم اغتيال أبو مهدي المهندس، نائب قائد القوات الحشد الشعبي المدعوم إيرانيًا في العراق؛ وهجمات انتقامية متوازية في العراق بين مجموعة شبه عسكرية مدعوم   إيرانيًا والقوات الأميركية في 11و12 آذار / مارس 2020.

كان يمكن لأي من هذه الحوادث أن يتسبب في رد انتقامي موازٍ، ويؤدي إلى دوامة خطيرة، وذُكر أن الرئيس دونالد ترامب كان على بعد دقائق من الرد على حادثة إسقاط الطائرة المسيرة في حزيران/ يونيو 2019 بإصدار الأمر بتوجيه ضربة جوية لإسطول عسكري إيراني.

وكان كثيرون في إدارته أيضًا يدفعون باتجاه الرد بعد هجوم أرامكو، وهنا إيران ردت على اغتيال سليماني بإطلاق الصواريخ على قواعد عسكرية عراقية تتواجد فيها قوات أميركية؛ لكن بالنظر إلى أنها لم تؤدّ إلى مقتل أي أميركي ولأن طهران عّبرت مباشرة عن أن هذا سيكون نطاق ردها، فإن الولايات المتحدة لم تصعد من الحرب أكثر.

هذه وخصومات أخرى بين إيران وحلفائها من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وبين إيران والسعودية، تعطي صبغتها للصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وتحول الحروب الأهلية إلى حروب بالوكالة كما عبر عنها البارزاني.

 

وابرزت تلك المبادرات حقيقة أن ثمة حاجة لجهود متظافرة لتخفيف حدة التوترات في الخليج، وخاصة حين نجحت سياسة أربيل بالفوز بالموقع الحيادي من زخم هذا الصراع، وأن تتحول إلى بلد راعٍ للسلام في المنطقة، فمسعود البارزاني يريد التركيز على سلام المنطقة خاصة في منطقة الخليج العربي، لأنه يعرف أن الشرق الأوسط بأجزائه المختلفة بات ناضجًا لمبادرات أمنية جماعية تهدف إلى تخفيف حدة التوترات.

 

 

وتتقاطع هذه الحروب على نحو متزايد، إن لم يكن على الأرض، فبالتأكيد بالطريقة التي ينظر اليها اللاعبون الخارجيون.

فالحربان في سورية واليمن، بشكل خاص، توضحان هذه الديناميكية، لكن هذا ما تفعله أيضًا أحداث أقل عنفًا في العراق ولبنان، حيث صورت إيران الانتفاضات الشعبية الساعية إلى تحقيق أهداف محلية على أنها موجهة بشكل رئيسي ضد إيران.

وحتى تفشي فايروس كورونا، كوفيد 19 أطلق نوبة من الاتهامات المتبادلة بين طهران وواشنطن عندما كان يمكن للتعاون الإنساني أن يوفر وسيلة تحفظ ماء الوجه للتواصل مع الطرف الآخر والحد من الأعمال العدائية.

المفاوضات التي قدمها الطرف الكُردي متمثلًا برئيس الحكومة نيجرفان البارزاني، ضمن السياسة العامة لكُردستان، قادتها الأمم المتحدة فحققت أحيانًا بعض التقدم في احتواء صراعات بعينها، خصوصًا في سوريا الجارة جغرافيًا مع كُردستان، والتي تضم المكون الكردي لمنطقة كُردستان.

لكن السياسة الأمريكية المتصارعة دومًا مع السياسة الإيرانية لم تتمكن من تسوية هذه الصراعات بالشكل الكامل أو الشكل المطلوب.

فإدامة هذه الصراعات يزيد من احتمالات انتشارها، وتوليد مظالم جديدة وتشجع الخصوم على الانخراط في ألعاب على حافة الهاوية وقد تزيد المنطقة اشتعالًا.

والأسوأ من ذلك، هو أن هذه الخطوط الحمراء تبدو غير واضحة في غياب قنوات تواصل فعالة، وسؤ التواصل بدوره يزيد من احتمال حدوث صراعات غير مقصودة وهي حرب يقول اللاعبون الرئيسيون إنهم لا يسعون إليها لكن قد يسيرون إليها بأرجلهم.

إن الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط تتطلب مقاربة جديدة، مقاربة تعالج نقاط ضعف الحلول المتوفرة حاليًا وتأخذ بالاعتبار التعقيد المتزايد للوضع.

فقد مرت المنطقة بتحول دراماتيكي منذ عام 2011، وأي محاولة لتخفيف حدة اضطرابها من المرجح أن تتطلب تحولًا في النمط التحليلي والتشغيلي لآليتها.

وبحلول أواسط عام 2019، بدأت الحكومات في الواقع بتعويم مبادرات لمعالجة الأزمة الناشئة على مستوى المنطقة، استجابة إلى مخاوف من نشوب حرب كبرى، وللأسف إلى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوات حاسمة نحو إطلاق عملية جماعية وشاملة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات.

لكن التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، ومؤتمر الشرق الأوسط الذي قادته الولايات المتحدة في وارسو في شباط/فبراير عام 2019 ومحاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس نيجرفان البارزاني قد حدا من منع حدوث الأسوأ، وذلك بتشيجع إيران والولايات المتحدة على العودة إلى طاولة المفاوضات.

كما سعت فرنسا لتخفيف حدة التوتر في مضيق هرمز، الذي يمر عبره جزء كبير من نفط العالم، وخاصة نفط العراق ودول الخليج، من خلال مبادرة أمنية بحرية، شارك فيها ممثلون عن السعودية وإيران هدفت إلى فتح قنوات اتصال جديدة، ورغم ذلك، فإن المنطقة ما تزال تترنح على حافة السكين.

وكان لمثل هذه العملية، التي ستكون على شكل حوار أمني شامل، أن تستند إلى مبادئ رئيسة يمكن للجميع أن يحترمها؛ والتركيز على مزيج من الهواجس المتعلقة بالقوى الناعمة والصلبة يتشاطرونها جميعًا؛ وأن يبدأوا بشكل متواضع، فمن شأن هذه البداية وحدها أن تفتح بشكل أكبرقنوات الاتصال التي زادت طبيعتها المحدودة حتى الآن من مخاطر نشوب صراع بسبب الخطأ في الحسابات، وإذا نجحت هذه المبادرة، يمكنها أيضًا أن تسهم في تخفيف التوترات بين الخصمين الرئيسين: الولايات المتحدة وإيران، وهو ما تسعى إليه حكومة البارزاني من موقعها الحيادي تجاه الأطراف المتنازعة.

ومن شبه المؤكد أن مثل ذلك الحوار الاقليمي لن يحدث دون دعم خارجي، خصوصًا من الولايات المتحدة، لكن طالما ظلت واشنطن عازمة على المضي قدمًا في حملتها لممارسة (أقصى درجات الضغط) على إيران، من غير المرجح أن تدعم أي مبادرة تنطوي على الحوار مع طهران، بالمقابل نرى أن الحكومات في أوروبا ومناطق أخرى تحاول صناعة وساطة حقيقية لإيقاف مثل هذه الضغوط.

قد يكون أوان تحضير الأرضية لمثل تلك المبادرة قد حان كما عبر عن ذلك مسعود البارزاني في زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية حين أكد أن الإرادة السياسية للعمل قد حانت، وعلى الجميع أن يساهم في جعل الولايات المتحدة الامريكية وإيران من إيقاف تراشق الاتهامات الكبيرة.

فأيًا من اللاعبين الرئيسين في الشرق الأوسط لا يريد أن يبدأ حربًا مع خصومه، لكن أحداث عام 2019 أظهرت مخاطر اندلاع صراع غير مقصود، ويتناسب الخطر مع التوترات الناشئة عن التنافس بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تفاقمت بسبب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى التوترات بين إسرائيل وإيران وبين إيران والسعودية.

فالهجمات التي وقعت عام 2019 على سفن الشحن في مضيق هرمز وخليج عُمان، وكذلك على خطوط الآنابيب في السعودية؛ وإسقاط طائرة مسيرة أميركية بنيران   إيرانية؛ والضربات المدمرة على منشآت النفط والغاز السعودية في بقيق وخريص في أيلول/ سبتمبر؛ والضربة التي نفذتها طائرة مسيرة أميركية في 3 كانون الثاني/ يناير2020 وقتلت قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، جميع هذه الحوادث أوصلت التوترات المتفاعلة إلى نقطة الغليان.

وهنا بدأت السياسة البارزانية بالتعاون مع سياسات الإتحاد الأوربي باحتواء التداعيات الناجمة عن هذه الأحداث لسبب رئيسي هو إحجام الرئيس دونالد ترامب عن الانخراط في حرب جديدة وإحجام إيران عن الاشتباك مع خصم أكثر قوة بشكل مباشر، وستكون حينها جميع الدول المحيطة بإيران مسرحًا للعمليات العسكرية.

ولا شك أن الاختلافات مع وضع الشرق الأوسط اليوم كبيرة، لكن الفكرة التي ترسخت أن أي جهد جماعي يجب أن يشمل جميع القوى الرئيسة على طرفي الصراع؛ وذلك من أجل أن يخفف حدة التوترات، مع تأسيس قاعدة من الثقة قابلة للتطبيق.

والجهود التي تجسدت في مؤتمر الأمن والتعاون في أوربا أعطى ثماره في اتفاقات هلسنكي لعام 1975، التي حافظت على السلام وأدت إلى نشوء آلية جماعية يمكن أن تضمن بقاء الأمور على ذلك الشكل، وهي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

لقد ظلت ذكرى ذلك النجاح حية في الأذهان عبر عدد من المبادرات، التي كانت في كثير من الأحيان بقيادة منظمات غير حكومية ومراكز أبحاث، مع التركيز على أجزاء أخرى غير مستقرة من العالم، بما فيها الشرق الأوسط، وكان أحد الأمثلة على هذا النوع من العمل تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2011، وضع خريطة لعملية السلام ضمن ورشات عمل حول الحاجة لبنية أمنية شرق أوسطيه، وحينها قدمت أربيل نفسها لتكون منطقة دبلوماسية تعمل من أجل إحلال السلام.

بعد ذلك وفي عام 2019 بدأت بعض الحكومات تهتم بشكل أكبر بالدور الذي تلعبه السياسة في أربيل مبدية الحاجة إلى عملية جماعية مشابهة، وإمكانية قيام مثل تلك العملية.

ففي تموز/ يوليو عام 2019، طرحت روسيا فكرتها لمفهوم أمني لمنطقة الخليج ونظمت ورشة عمل في موسكو في أيلول/ سبتمبر لوضع تفاصيلها.

ثم طرحت إيران أفكارًا متشابهة في مبادرة هرمز للسلام، التي أطلقت في الجمعية العامة للأمم  المتحدة في أواخر أيلول/ سبتمبر 2019، ودعت دول الخليج العربية إلى الانضمام إليها في عملية جماعية، وأن تكون حكومة إقليم كُردستان ضمن مفاوضات المبادرة، فاقترح وزير الخارجية العراقي عقد مؤتمر أمني إقليمي يركز على العراق، وتواصل مع نظرائه في تركيا، وإيران، والسعودية، والأردن والكويت لبحث الفكرة، فقدم نيجرفان البارزاني رؤيته السياسية للمبادرة وكذلك كانت قيادة بغداد للعملية منطقية، فالعراق يقع على منطقة وصل في الشرق الأوسط، ويحوي هو الآخر انقسامًا طائفيًا بين السنة والشيعة، ويشكل في الوقت ذاته جسرًا بين إيران والشرق الأوسط، وحصل مسعود البارزاني حينها على دعم الفكرة من الإتحاد الأوربي، لكن انطلاق الاحتجاجات الشعبية في بغداد أوقف المبادرة وعطلها.

بالمقابل تبرز هذه المبادرات حقيقة أن ثمة حاجة لجهود متظافرة لتخفيف حدة التوترات في الخليج، وخاصة حين نجحت سياسة أربيل بالفوز بالموقع الحيادي من زخم هذا الصراع، وأن تتحول إلى بلد راعٍ للسلام في المنطقة، فمسعود البارزاني يريد التركيز على سلام المنطقة خاصة في منطقة الخليج العربي، لأنه يعرف أن الشرق الأوسط بأجزائه المختلفة بات ناضجًا لمبادرات أمنية جماعية تهدف إلى تخفيف حدة التوترات.

التقرير الأولي الذي قدمه مسعود البارزاني في المملكة العربية السعودية، عاد من جديد في 21 آذار/ مارس عام 2019 على شكل عرض قدمته مجموعة الأزمات في مجلس الأمن الدولي، في حوار تفاعلي غير رسمي استضافته فرنسا، تبعه نقاش في 24أيار/مايو ضمن مكتب مجموعة الأزمات في نيويورك، شارك فيه دبلوماسيون من عدد من دول الشرق الأوسط وعلى رأسهم الوفد السياسي الكُردي، مُركزًا على الحاجة لحوار أمني جماعي في الشرق الأوسط، يبدأ من منطقة الخليج بواسطة الدول الحيادية، فقدمت مجموعة إدارة الأزمات ورقة بيضاء جمعت فيها الأفكار لقياس مدى تقبل الحوار، وتقييم ما إذا كان التوقيت مُناسبًا لإطلاق مبادرة السلام الحقيقي.

في معالجة تعدد الصراعات، والعوامل الدافعة لها واللاعبين المنخرطين فيها في الشرق الأوسط، فإن المجتمع الدولي المنقسم على نفسه يواجه تحديين رئيسين، يتمثل احدهما في التعقيد المتزايد للوضع، مع تزايد عدد التقاطعات بين هذه الصراعات؛ ويتمثل التحدي الثاني في محدودية الأدوات التي يمتلكها لخفض تصعيدها واحتوائها.

فالانتفاضات العربية التي خرجت عام 2011 عبرت عن مطالب شعبية بدرجة أكبر من المشاركة السياسية،  وحكومة أفضل وعدالة اجتماعية، لكن عندما أخفقت السلطات في تلبية هذه المطالب، وفي عدة حالات ردت بقسوة، فكانت الأرضية قد مهدت لاضطرابات أشد حدة،  وفي الوقت نفسه، تم إشراك عوامل خارجية فيها، ما أدى إلى مستويات أكبر بكثيرمن العنف، والمثال الأكثر دراماتيكية على ذلك هو سورية الجارة الحدودية لكُردستان العراق، والتي تحوي أكثر من ثلاثة ملايين مواطن كُردي.

 

قد يعجبك ايضا