إشكالية تطبيق مبادئ الفيدرالية التشاركية في إدارة الموارد الهيدروكربونية بين بغداد واربيل

د.دژوار سندي

تشكل إشكالية إدارة الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي) بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية العراقية نموذجًا كلاسيكيًا لأزمة الشرعية الدستورية في الأنظمة الاتحادية الهشة، حيث تتحول النصوص الدستورية إلى ساحة صراع تأويلي بين المركز والأقاليم. يُعتبر هذا النزاع امتدادًا لاختلال التوازن في العقد الاجتماعي العراقي لعام 2005، الذي أقرَّ نظامًا اتحاديًا تشاركيًا نظريًا، لكنه حافظ على بنى الدولة المركزية عمليًا. من منظور نظرية الاختصاصات التشريعية المتداخلة (Concurrent Powers)، تُكشف الأزمة عن تناقض جوهري بين المبادئ الدستورية الصورية وممارسات الإقصاء المؤسساتي.

الإطار الدستوري: تفكيك التناقض بين النص والتطبيق:
يُنظِّر الدستور العراقي في المادة 115 لمبدأ الأولوية الإقليمية في إدارة الموارد الطبيعية، مُستندًا إلى فلسفة الفيدرالية التعاقدية (Contractual Federalism) التي تُكرس حقوق الأقاليم في التشريع خارج الاختصاصات الحصرية للاتحاد. كما تُؤسس المادة 121 (الفقرتان الأولى والثانية) الاختصاص المتبقي (Residual Powers) لصالح الأقاليم، وهو مبدأ مُتعارف عليه في الأنظمة الاتحادية ككندا وألمانيا. غير أن المحكمة الاتحادية العليا، عبر قرارها رقم (252/2022)، انحرفت عن هذا المنظور بتأويل ضيق لـلمادة 112، مُختزلةً إياها إلى تفويضٍ مركزي مُطلق، متجاهلةً السياق التاريخي لتطوير الإقليم لحقوله النفطية خلال فترة العزلة الدولية (1991-2003)، والتي تحملت خلالها حكومة الإقليم مسؤولية إدارة الموارد دون دعم مركزي. هذا التأويل يُشكل انتهاكًا لـمبدأ التفسير التوافقي (Harmonious Construction) الذي يوجب تكامل النصوص الدستورية بدل تناقضها.
السياق السوسيو-اقتصادي: من التهميش الممنهج إلى المقاومة المؤسساتية:
خلال العقدين الماضيين، تحول الملف النفطي إلى أداة لـلهندسة السياسية (Political Engineering) من قبل بغداد، عبر توظيف العقوبات المالية كآلية لفرض الامتثال المركزي. ففي عام 2014، مارست الحكومة الاتحادية إجراءات تقييدية ضد الإقليم عبر تجميد حصته المالية المُقرة دستوريًا، رغم التزام الأخير بتصدير 550 ألف برميل يوميًا عبر شركة سومو التسويقية، مما أدى إلى شللٍ في القطاع الخدمي بكوردستان. ردًا على ذلك، اعتمد الإقليم استراتيجية التنويع الجيوسياسي (Geopolitical Diversification) عبر تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، مستندًا إلى عقود المشاركة الانتاجية (Production Sharing Agreements) المُتوافقة مع المعايير الدولية (مثل نموذج النرويج في إدارة الموارد). لكن بغداد، بدلًا من تفعيل آليات الحوار الثنائي (Bilateral Dialogue)، لجأت إلى تسييس القضاء عبر الطعون الانفرادية، مُستغلةً غياب التمثيل الكوردي في تشكيلة المحكمة الاتحادية.
الأبعاد الدولية: بين معايير السيادة المشتركة والواقع الجيوبوليتيكي:
تُثير الأزمة إشكالياتٍ حول مبدأ السيادة المشتركة (Shared Sovereignty) في الأنظمة الاتحادية، حيث تُجمع المواثيق الدولية (كـالمادة 1 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) على حق الكيانات دون الوطنية في تقرير مصير مواردها، شرط عدم الإضرار بالوحدة الترابية. تجارب مثل نظام موارد ألبرتا الكندي (Alberta’s Resource Revenue System) تُظهر إمكانية التوفيق بين الإدارة الإقليمية والتماسك الاتحادي. لكن الموقف الدولي ظل رهين المصالح الجيواستراتيجية: فالدعم الأمريكي-الأوروبي المتقطع للإقليم يصطدم بمعارضة تركيا وإيران الرافضتين لمبدأ الحكم الذاتي الموسع، خوفًا من تأثيراته على أقلياتهما الكوردية. هذا التناقض يُعزز النظرية النقدية للعلاقات الدولية (Critical IR Theory) التي تُشكك في نزاهة النظام الدولي تجاه القضايا الإثنية.

الخاتمة: نحو نموذج توافقي قائم على العدالة التعويضية:
أنَّ الاستمرار في سياسة الإقصاء المؤسساتي (Institutional Marginalization) سيدفع باتجاه تفكك العقد الاجتماعي العراقي، ويعيد إنتاج دورة الصراع في دولةٍ لم تستكمل بعد مرحلة الانتقال الديمقراطي (Democratic Transition).
وعليه فإن حل الأزمة يتطلب انتقالًا من الفيدرالية التنافسية (Competitive Federalism) إلى الفيدرالية التعاونية (Cooperative Federalism)، عبر:
1. إنشاء آلية تنسيقية دستورية: مثل المجلس الاتحادي للموارد الطبيعية (FNRC) ذي التمثيل المتكافئ.
2. إصلاح البنية القضائية: بتبني معايير الحياد السياسي (Political Neutrality) في تشكيل المحكمة الاتحادية.
3. تبني نموذج العائدات التضامنية: على غرار صندوق التمويل المشترك (Co-Funding Pool) في ماليزيا.

قد يعجبك ايضا