ماهين شيخاني
المسيحيون الكُرد (بالكردية: کوردە مەسیحیەکان، وبالكورمانجية: فله) هم أبناء الشعب الكردي ممن يعتنقون الديانة المسيحية. وعلى الرغم من غياب إحصاءات دقيقة، تشير بعض التقديرات إلى أن أعدادهم قد تصل إلى عشرات الآلاف، موزّعين في بلدان كوردستان الكبرى وفي المهجر.
العصور المبكرة
يعود تاريخ المسيحية في كوردستان إلى عصور مبكرة جدًا. ففي عام 338م، اعتنق أحد الحكّام الكُرد، المعروف باسم تيرداد، المسيحية. وتروي الأساطير أن مار سابا تمكن في القرن الخامس من تحويل بعض من أتباع ما يُسمّى بـ”عبّاد الشمس” – في إشارة محتملة إلى اليزيديين – إلى المسيحية.
وبحسب الرواية المسيحية التقليدية، فإن دخول المسيحية إلى بلاد ما بين النهرين يعود إلى القرنين الأول والثاني الميلادي، إذ تُذكر “أسطورة منديل الرها” أن الملك أبجر الأسود راسل المسيح وطلب قدومه إلى مملكة الرها، لكن المسيح أرسل له صورته على منديل، ووعده بأن يرسل مار أدي، أحد تلاميذه الاثنين والسبعين، لينشر المسيحية في مملكته.
العصور الوسطى
في أواخر القرن الحادي عشر وبدايات القرن الثاني عشر، شكّل الجنود الكُرد المسيحيون حوالي 2.7% من الجيش الذي كان يتمركز في قلعة شيزر. وفي القرن الثالث عشر، حكمت أسرة الزاكاريد الأرمنية الأجزاء الشمالية من أرمينيا، ويُعتقد أن أصولها تعود إلى أكراد اعتنقوا المسيحية. وقد لعبت هذه الأسرة دورًا فكريًا بارزًا، عبر تأسيس الأديرة وتنشيط الحركة الثقافية في المنطقة.
القرن التاسع عشر
تُشير عدة روايات سفر أوروبية من القرنين التاسع عشر والعشرين إلى وجود قبائل كُردية مسيحية، إلى جانب قبائل مسلمة. ورغم أن بعضهم نسب أصوله إلى الأرمن أو الآشوريين، إلا أن تاريخيًا، غالبية الكُرد الذين اعتنقوا المسيحية كانوا من أتباع كنيسة المشرق.
وفي عام 1884، تحدثت الجمعية الجغرافية الملكية عن قبيلة كردية في سيواس كانت لا تزال تمارس بعض الطقوس المسيحية. وتشير أبحاث أخرى إلى أن الكُرد المسيحيين اندمجوا لغويًا وعرقيًا مع المسيحيين الناطقين باللغات السامية في بلاد الرافدين، خصوصًا بعد الفتح الإسلامي. كما تم العثور على صلوات مسيحية باللغة الكُردية تعود إلى عصور سابقة.
ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، بدأت بعض التحوّلات الدينية نتيجة نشاط البعثات البروتستانتية، لا سيما اللوثرية القادمة من ألمانيا والولايات المتحدة، والتي عملت على نشر المسيحية بين الكُرد في مناطق مثل إيران. وقد أُنشئت جماعات كُردية مسيحية ودور للأيتام بين عامي 1911 و1916. كما تذكر الرحّالة إيزابيلا بيرد أن المبشّرين الأميركيين نجحوا في تحويل مجموعات صغيرة من الكُرد إلى المسيحية في أورميا عام 1891.
العصور الحديثة
في العقود الأخيرة، وبعد حرب الخليج عام 1991، بدأت وكالات الإغاثة المسيحية بتقديم المساعدات للاجئين الكُرد، الأمر الذي أثار اهتمام البعض منهم بالمسيحية، خاصة وأن المساعدات جاءت من جهات دينية مسيحية.
ومنذ عام 1856، بدأت ترجمات للكتاب المقدس تظهر باللغة الكردية، باللهجة الكرمانجية. وفي نهاية عام 2000، تأسست كنيسة المسيح الناطقة بالكردية في أربيل، لتكون أول كنيسة إنجيلية كردية في العراق، ولها فروع في السليمانية ودهوك. شعارها يتكون من شمس صفراء وسلسلة جبال، رمزًا للهوية الكردية.
وفي عام 2005، عقدت الكنيسة مؤتمرها الأول في عينكاوة شمال أربيل، بمشاركة حوالي 3000 شخص، من بينهم مسلمون تحولوا إلى المسيحية. وتشير مصادر أخرى إلى أن حوالي 500 شاب كردي مسلم قد اعتنقوا المسيحية منذ عام 2006 في مختلف أنحاء كوردستان.
وفي عام 2012، أسس عدد من الكُرد المسيحيين كنيسة جديدة في المهجر، تحت اسم “كنيسة الحياة الجديدة” (Jîyanî Nu) في مدينة ستوكهولم، عاصمة السويد.
التنوع المسيحي في كوردستان العراق
تضم كوردستان العراق اليوم طيفًا واسعًا من الطوائف المسيحية:
السريان الكاثوليك
السريان الأرثوذكس
كنيسة المشرق الآشورية
الكلدان الكاثوليك
الأرمن الكاثوليك
وقد استقبل الإقليم آلاف العائلات المسيحية النازحة من وسط وجنوب العراق، هربًا من العنف والاضطهاد الطائفي، ليجدوا في كوردستان ملاذًا آمنًا يمارسون فيه شعائرهم الدينية بحرية.