تداخل علم السياسة بالعلوم الاخرى

 

 

الاستاذ الدكتور : نزار الربيعي

ان تداخل علم السياسة مع العلوم الاخرى قد اختلف بحسب تطور مفاهيم علم السياسة ونظرياته ومناهج البحث فيه . وحتى نهاية النصف الاول من القرن العشرين كان علم السياسة يتداخل بشكل اساسي مع القانون والتاريخ والاقتصاد والجغرافية البشرية والاخلاق , وبعد التطورات الحديثة التي المت بعلم السياسة ظهرت مجالات جديدة للتداخل مع علم الاجتماع وعلم الانسان وعلم النفس السياسي وسوف نلقي نظرة مختصرة على علاقة علم السياسة ببعض هذه العلوم .

 

أ- علم السياسة وعلم الاجتماع : بعد تطور المفاهيم الحديثة في علم السياسة التي تهتم بالسلوك السياسي للانسان , ظهرت اهمية دراسات علم الاجتماع بالنسبة لعلم السياسة , فعلم الاجتماع الذي يدرس السلوك الاجتماعي , وانماط العلاقات الاجتماعية , والعادات والتقاليد والثقافة والقيم , اصبح في الحقيقة من اكثر العلوم الاجتماعية ارتباطاً بعلم السياسة , ولقد انتشرت دراسات التنشئة السياسية (( التي اهتمت بالدور الذي تلعبه هيئات المجتمع الاساسية كالأسرة والمدرسة والجماعة في التأثير على التفاعلات السياسية في الدول , كما تطور علم (( الاجتماع السياسي )) الذي يمت بالبعد الاجتماعي لسلوك الانسان السياسي .

 

ب- علم السياسة وعلم الاقتصاد : لقد كان الاقتصاد والسياسة يدرسان معاً حتى الماضي القريب, وكان الاقتصاد يعرف باسم (( الاقتصاد السياسي)) لأن التركيز فيه ككان على الطرق التي تستطيع بها الدولة الاشراف على الشؤون المالية والتجارية والانتاجية . وفي الوقت الحالي فان الموضوعات الخاصة بالثروة والدخل والضرائب والتوزيع , والسياسة التجارية والصناعية واوضاع الطبقة العاملة هي من ضمن الموضوعات التي يشترك فيها ككل من علمي السياسة والاقتصاد . وكذلك فأن عملية التسوية بين مصالح تجار الاستيراد ومصالح اصحاب المصانع هي من اهم مجالات الممارسة السياسية . وبإختصار فان السياسة العامة للدولة في الداخل والخارج تتأثر الى حد كبير بعوامل اقتصادية اساسية . ولقد اوضحت تجارب بعض الدول على ان اهمية العوامل الاقتصادية في التأثير على قرارات وسياسات الدول المختلفة تزداد وقت الحرب عن اوقات السلم . وهناك ثلاثة اتجاهات في تحديد علاقة علم السياسة بالاقتصاد فيرى فريق بأن السياسة هي التي تؤثر في الاقتصاد ومنهم من يرى بان العلاقة بينهما علاقة تفاعل ( تأثير وتأثر متبادل ) .

 

جـ – علم السياسة والانثروبولوجيا ( علم الانسان ) : تهتم الانثروبولوجيا بتصنيف وتحليل الجماعات البشرية من الناحية الفسيولوجية ( التركيب الجسمي ) , الثقافية , والاجتماعية , والتاريخية ويمتاز علم الانثروبولوجيا في اعتماده على الحفريات من اجل دراسة بقايا التركيب الجسمي للانسان القديم و فهم ثقافته ومجتمعاته , وقدرته على التكيف مع البيئة التي عاش فيها , ومقارنة كل ذلك بأوضاع انسان اليوم .

 

ان منشأ التداخل بين الانثروبولوجيا وعلم السياسة يعود الى التركيز الخاص للأبحاث الانثروبولوجية على دراسة الفوارق الانسانية , وخاصة فيما يتعلق بالسلالة والثقافة فلقد حاول بعض علماء الانثروبولوجيا الاستفادة من بعض الدراسات لزيادة معرفتهم بهذه الفوارق الانسانية , وخلال هذا التداخل تم نقل خبرتهم الانثوبولوجية الى علم السياسة . ولقد نقل علماء السياسة من علم الانثروبولوجيا مصطلح الثقافة وطوروا له مفهوماً خاصاً عرف (( بالثقافة السياسية)) .

ويوجد حالياً في علم الانثروبولوجيا حقل خاص للدراسات السياسية يعرف ((بالانثروبولوجيا السياسية)) وتتحد اهتماماته بدراسة مصادر الصراع الانساني , ومجالات تلاحم الاختلافات الانسانية , وقانون الطبيعة , والطرق التي تؤثر فيها المجتمعات المتقدمة على المجتمعات النامية التي تحتك معها .

 

د- علم السياسة والتاريخ : ان هناك ايضاً علاقة قوية بين علم السياسة والتاريخ الذي يهتم بدراسة الاحداث الماضية , و قال احد علماء السياسة مشيراً الى علاقة العلمين بان علم السياسة هو ثمرة التاريخ و وان التاريخ هو جذور علم السياسة, وتتضح هذه العلاقة بصفة خاصة في مجال التاريخ السياسي الذي يعالج الاحداث والنشاطات السياسية الماضية للمجتمعات البشرية والقادة السياسيين والعسكريين , وبذلك يعتبر التاريخ السياسي مصدراً خصباً للمعلومات التي يستفيد منها كتاب وصانعي السياسة في دراستهم وقراراتهم .

ولكن الفرق بين التاريخ السياسي والتحليل السياسي هو ان علماء التاريخ السياسي يركزون على الشخصيات السياسية او الحوادث الفريدة من نوعها والمشهورة، بينما يهتم علماء السياسة بالخصائص العامة للمعلومات التاريخية التي هم بصدد دراستها.

 

هــــ – علم السياسة وعلم النفس : يعطي بعض المفكرون السياسيون اهتمامات خاصة في ابحاثهم لموضوعات علم النفس التي تهتم بفهم الطبيعة الانسانية التي تتعلق بالخوف والطمأنينة, العنف والمسالمة , الخير والشر وعدم المبالاة .

ولقد ظهر ما يعرف ب(( علم النفس السياسي )) الذي يهتم كتابه بمعرفة مدى تأثير العوامل النفسية على السلوك السياسي . وهناك محاولات اخرى كثيرة لمعرفة تأثير الخلفية النفسية للسياسيين في القرارات التي يتخذونها . وفي مجالات اخرى ينظر الباحثون الى الحرية والمساواة على انها قيم اساسية تدخل في جذور النفس الانسانية وتوجه تطلعات الانسان وسلوكه .

 

و- علم السياسة والقانون : ان كثيراً من كتاب النظرية السياسية يسندون شرعية السلطة في الدولة الى القانون . ولقد اوضح ارسطو وافلاطون اهمية القانون في تأدية وظائف الدولة كما استطاع المشرعون الرومان ان يضعوا بعض القوانين الاساسية التي ساعدت روما على حكم وادراة امبراطوريتها الواسعة والتي اصبحت فيما بعد مصدراً اساسياً للقوانين الوضعية في الدول .

 

وفي النصف الاول من هذا القرن كان القانون محور الدراسات السياسية , وفي الوقت الحاضر يتضح التداخل بين القانون والسياسة من موضوعات القانون الدستوري او القانون العام الذي يحوي على دستور الدولة وأسس المبادئ المنظمة لتداخل سلطات الحكومة , ولعلاقة الحكومة المركزية بالحكومات المحلية , ولحماية حقوق الافراد وحرياتهم وممتلكاتهم , وتداخل السلطة القضائية مع السلطتين التشريعية والتنفيذية .

قد يعجبك ايضا