محمود أحمد السيد.. ريادة في الأدب وميول للفكر الاشتراكي

 

سماح عادل

(محمود أحمد السيد) روائي وصحفي ومترجم عراقي، اسمه، محمود أحمد السيّد آل المدرس، يعتبر رائد الرواية العربية في العراق، وأولع بالأدب التركي الحديث فترجم إلى العربية قصص (جلال نوري) و(ضياء كوك ألب) وغيرهم وتأثر بآراء أدباء تركية المجدّدين، كانت أولى أعماله رواية قصيرة بعنوان (في سبيل الزواج) أصدرها في آذار 1921.

حياته

ولد في بغداد يوم 14 مارس 1903، كان أبوه مدرساً بجامع الحيدرخانة وإماماً لجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، وكان جدّه من رجال الدين أيضا، وقد درس هو في المدرسة السلطانية، وتخرّج سنة 1918 فعيّن في دائرة الري بالهندية، لكنه لم يلبث أن ترك عمله بعد أشهر وسافر إلى الهند في 1919 وأمضى فيها سنة واحدة، ثم عاد إلى بغداد في‌ يوليو 1920 وأخذ بالكتابة في جريدة (الشرق)، ثم أقبل على تحرير المقالات والقصص، ونشر كتاباته في الصحف كجريدة (العراق والعالم العربي والاستقلال ومجلة اليقين والمصباح والصحيفة والمعرض والحديث والحاصد) إلخ.

عيّن كاتبا في وزارة الداخلية في ديسمبر 1920، ونقل مديرا لتحرير لواء الديوانية في نوفمبر 1923، وعاد إلى بغداد مديرا للتحرير في أمانة العاصمة في سبتمبر 1923، وأصبح بعد ذلك سكرتيرا للبلديات في وزارة الداخلية في‌ يونيو 1931، ثم سكرتيراً لمجلس النواب في مارس 1933 حتى وفاته.

الكتابة

اتبع السيد في قصصه المذهب الواقعي الذي يسلط الضوء على المجتمع العراقي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، ذلك المجتمع الذي يمّر بطور الانتقال والتحوّل ويضيق بالتناقضات والترسبّات القديمة.

يقول د. صبيح الجابر في مقالة له: ((إن الفن القصصي بجنسيه (القصة والرواية) بدأ في العراق بداية تجريبية متواصلة، وكفؤة على يد محمود أحمد السيد عام 1921، وعلى خلفية الحرب العالمية الأولى، ونتائجها، وبعد مضي ثلاث سنوات على إخماد نيرانها المدمرة، وكانت البداية لهذا الفن، تأريخية، وليست فنية متكاملة. قد تكون بدأت بدون مقدمات نظرية أو فنية- أدبية، وبدون منهجية فكرية أو أدبية واضحة، ولذلك شهدت عثرات كثيرة.. فتح محمود أحمد السيد عينيه، وعقله، على واقع فكري، وأدبي راكد ومتخلف أيام الحرب العالمية الأولى، وما تمخض عنها من نتائج، وكان ما شبّ عليه السيد، وتعلمه لا يلبي طموحاته وتطلعاته، الفكرية والأدبية، التي تجاوزت محيطه، فقد كان السيد أبناً لأمام جامع الحيدر خانه، وكان جل ما تعلمه لا يتعدى علوم الدين والفقه واللغة العربية، والأدب الشعري والنثري، والحكايات الشفوية والمكتوبة، الشائعة والمنتشرة، في وقت نشطت فيه ماكنة الطباعة، التي راحت تنشر الكتاب، والمجلة والصحيفة، وفي وقت غزت فيه الأفكار الجديدة، والإبداعات الأدبية والفلسفية والسياسية بعض البيئات الثقافية، في مدن العراق، وخاصة العاصمة بغداد، حينذاك كان السيد أكثر أقرانه، وأبناء جيله حساسية إزاء ثقافة عصره، وكان يمتلك روحاً متوثبة، وساخطة، ورافضة ومتمردة.. في الوقت ذاته، كان هذا الفتى ممتلئا بالسائد التقليدي، كثقافة الحكايات، وأدب الخيال، المعتمد أصلا على بعض الخرافات، كما كان أسير العادات والتقاليد التي ما عادت تنسجم مع تطلعات السيد، وأفكاره الطموحة. وقد كشف في السنة الثانية، بعد صدور (في سبيل الزواج عام 1921) وفي مجموعة (النكبات) كشف طبيعة ذلك الخطاب السائد، وحاول أن يعرضه على القارئ بشكله المهلهل، وبفقر موضوعه وسذاجته)).

القصة في العراق

ويقول الكاتب، علي جواد الطاهر في مقالة له عن السيد: ((من أعلام الأدب العراقي الحديث، لم ينل حقه من العناية، لذا، وجب خصه بدراسة جامعة تلتزم أصول البحث الحديث في الجمع والاستقصاء والمناقشة وإذا ادعى أنه (هاو)، فإن ذلك تواضع وقول تمليه ظروف طارئة، فما هكذا يكون (الهاوي) ومن شأن الهاوي أن يستمتع أو يقلد دون أن ينتج أو يدون والإنتاج والإبداع وليدا الجد والمثابرة والموهبة.. فهو كاتب شعبي، حتى قال يوما: نحن الشعب، وهو كاتب مبكر في خدمة الشعب والعمل على الارتقاء به إلى مصاف البشر.. ولو انسجم محمود أحمد تمام الانسجام مع آرائه، ولم يبد عليه تناقض بين القول والعمل، لكان توفيقه كبيرا في الأنواع الأدبية التي زاولها، أكبر كثيرا مما حقق وبات فيه أهلا للإعجاب والتقدير)).

التكتل الاشتراكي..

يقول الباحث، رفعت عبد الرزاق: تميز محمود أحمد السيد بميزتين الأولى كونه رائد القصة العراقية كما وصفه أكثر من أستاذ وناقد، والثانية أنه أحد مؤسسي التكتل الاشتراكي والتقدمي.. وذكر المؤرخون أنه التقى في الهند بأحد المفكرين الاشتراكيين وتأثر به ولما عاد للعراق كان المؤسس الأول للحلقة الاشتراكية التقدمية، وهذه الحلقة كتب عنها الشيء الكثير، وكان أعضاؤها من الكبار الذين لهم أثر في المشهد الثقافي والسياسي العراقي أمثال فتاح إبراهيم، وسليم فتاح، وعوني بكر صدقي، وغيرهم الكثيرين)).

الاغتراب المكاني..

ويقول الناقد، د. شجاع العاني: ((رغم أن هنالك من كتب القصص قبله إلا أنه حاز لقب (رائد القصة بجدارة)، إن السيد لجأ للاغتراب المكاني من خلال قصصه، وروايتيه فنجد أن أحداثها تمت خارج البلاد، وقد قسم السيد نتاجه إلى مرحلتين فرواياته الأولى، هو الذي شتم نفسه عليها وقال (ليتني لم أكتب هذه القصص التي كانت لطخة عار في جبيني) ويبدو أنه كان متأثرا في ذلك الوقت بقصص الرومانس الغربي، التي تحمل من الخيال مالا حدود له.. إن المرحلة الثانية من نتاجات السيد الأدبية كانت أكثر وعيا فنيا وفكريا، وكانت ريادة السيد

الدفاع عن الكادحين

يقول الكاتب، نوزت الدهوكي: ((كان السيد نموذجا للمثقف الذي يعاني من صراع حاد بين ما يحمله من أفكار وبين الواقع الاجتماعي المتخلف ومع ذلك فقد كان رائدا، خلق تراثا زاخرا للأجيال التي جاءت بعده والأجيال الجديدة القادمة فهو أول القصاصين العراقيين ومن السابقين الأولين في ميدان النقد القصصي في العراق، ساهم من خلال إبداعه الأدبي ونشاطه الفكري والاجتماعي في إضافات هامة تعبر عن فترة العشرينيات والثلاثينيات الملتهبة من القرن الماضي.

لقد لعب محمود أحمد السيد دورا بارزا في بلورة الوعي العمالي وتطويره وفي بث الثقة في نفوس العمال ضد مستغليهم، وتأييد ظهور الجمعيات العمالية والحرفية في البلاد، وذلك من خلال اتصاله المباشر بعدد من قادة هذه الجمعيات وعن طريق الكلمات التي كان يلقيها في ندواتها والمقالات التي ينشرها في صحفها أو غيرها)).

وفاته

ذهب محمود أحمد السيد إلى القاهرة للاستشفاء من مرض ألمّ به فتوفّي بها في 10 ديسمبر 1937.

 

 

قد يعجبك ايضا