الوسطية في فكر ارسطو السياسي

د. نزار طاهر حسن الدليمي

ان ارسطو يحاول خلق توازن بين المتعارضات دائما، فهو كما رأينا سابقا يأخذ بحل وسط بين النظامين المتعارضين الديمقراطي والاوليكارشي، فهو يقر النظام المختلط على أساس فكرة الجمع بين المبادئ المتعارضة بين النظامين وصولا للوسط الصالح والعادل.
وبغية الوصول إلى هذا الوسط الصالح يجعل ارسطو من الطبقة الوسطى عماد النظام السياسي وأساس المجتمع، لان في رأيه الاعتدال والوسط هو خير الامور، وعليه فان الطبقة الوسطى هي خير الطبقات التي يمكن ان تتولى الحكم وهي التي يمكن ان تحافظ على الاستقرار فيه.

فالذين ينتمون الى هذه الطبقة هم اكثر افراد الشعب استعدادا لان يصغوا إلى صوت العقل، بعكس الطبقة الفقيرة التي يعجز افرادها عن الادراك والوعي السليم بسبب فقرهم، وبعكس الطبقة الغنية التي يشغلها الغنى عن الادراك ويخلق التعالي عندها. وعليه فان افراد هذه الطبقة يميلون الى العنف والعصيان، وافراد الطبقة الفقيرة يميلون إلى الكذب بسبب حرمانهم؛ لهذه الاسباب فان كلا الطبقتين في رأي ارسطو عاجزتين عن القيام بالحكم السليم.

فاذا ما أتيح الحكم إلى أي من هذه الطبقتين فلن تكون النتيجة إلا حكم السادة للعبيد في حين ان المجتمع السياسي لا يقوم إلا على أساس التعاون وشيوع الألفة بين اعضاءه متمتعين بالحرية. والطبقة الوسطى تمتاز بهذه الصفات عن بقية طبقات المجتمع.
إلا ان ارسطو لا يجعل الأمور للطبقة الوسطى بدون قيود وشروط فهو يشترط توافر مجموعة من الشروط في المواطنين حتى يتمكنوا من ممارسة الحكم والسلطة وهي: الجنس والسن: فالحكم في رأيه من شأن الرجال دون النساء، وأيضا هو من شأن الاعمار المتوسطة فهو يحرم الصغار الذين لم يصلوا للقيد المدني وكذلك يحرم الكبار المتقاعدون.و الجنسية: فهو يرى ان الحكم يجب ان يقتصر على المواطنين المولودين لأبوين يحملون صفة المواطنة فقط و الحرية: أي ان يكون حرا وليس عبدا فالعبيد محرومون من تولى الحكم و المال والقدرة على اعالة الاخرين: فارسطو يستبعد من الحكم بالإضافة الى العبيد التجار والصناع والفلاحين لانهم في رأيه يقومون بأعمال لا تختلف في طبيعتها عن اعمال العبيد. في حين ان المواطن يجب ان يمتلك قدرة مالية يمكن ان تغنيه عن الاعمال اليدوية وتهيئ له الفرصة للتفكير والتأمل في إدارة شؤون المدينة.
اما طبيعة الدولة واستكمالا لفكرة الوسط يشترط ان تكون الدولة ذات عدد من السكان معين ولا تتجاوز هذا العدد حتى تكون في حالة مثالية ويشترط ان يكون موقعها صعب المدخل على العدو وسهل المخرج على المواطنين ، فضلا عن انه يجب ان يكون سهل المراقبة وصالحا من جهتي البر والبحر على حد سواء.

قد يعجبك ايضا