ساجد الحلفي
ترتكز رؤية الإعلان العالمي لليونسكو للثقافة على أساس أن جميع الثقافات تشكل جزءا لا يتجزأ من التراث المشترك للإنسانية، وأن الخصوصية الثقافية لكل شعب تتجدد وتثري من خلال الاتصال بين الشعوب الأخرى، وأنها تتلاشى عندما تفرض عليها العزلة، كما ترتكز أيضا على احترام كل الثقافات على قدم المساواة والتأكيد على الطابع الأساسي والحيوي للخصوصية الثقافية للمجتمعات والشعوب، وعلاقة هذه الخصوصيات الثقافية بالثقافات الأخرى، وبالتعاون الدولي .
ولقد أكد الإعلان العالمي لليونسكو في المادة الأولى أن التنوع الثقافي هو تراث مشترك للإنسانية ينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل؛ لأن الثقافة تتخذ أشكالا متنوعة عبر الزمان والمكان، ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتآلف منها الإنسانية، وباعتبار التنوع الثقافي مصدرا للتبادل والتجديد والإبداع، فهو ضروري للجنس البشري كضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة إلى الكائنات الحية.
وجاء في المادة الرابعة من الإعلان، تحت عنوان التنوع الثقافي وحقوق الإنسان، أن حقوق الإنسان بوصفها ضمانا للتنوع الثقافي، فإن الدفاع عن هذا الأخير واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان، فهو يفترض الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وخاصة حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وحقوق الشعوب الأصلية، فلا يجوز لأحد أن يستند إلى التنوع الثقافي، لكي ينتهك أحد من نطاق حقوق الإنسان التي يضمنها القانون الدولي.
وأكدت المادة الخامسة من نفس الإعلان، أنه باعتبار الحقوق الثقافية إطارا ملائما للتنوع الثقافي وجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي هي حقوق عالمية ومتلازمة ومتكافلة، فإن ازدهار التنوع المبدع يقتضي الإعمال الكامل للحقوق الثقافية، وبناء على ذلك ينبغي أن يتمتع كل شخص الحق في تعلم وتدريب جيدين يحترمان هويته الثقافية احتراما كاملا، وينبغي كذلك أن يتمتع كل شخص بالقدرة على المشاركة في الحياة الثقافية التي يختارها، وأن يمارس تقاليده الثقافية الخاصة، في الحدود التي تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ونصت كذلك المادة السادسة من الإعلان، أن التنوع الثقافي متاح للجميع إلى جانب كفالة التداول الحر للأفكار عن طريق الكلمة والصورة، وينبغي الحرص على تمكين كل الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها؛ ذلك أن حرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام والتعددية اللغوية والمساواة في فرض الوصول إلى أشكال التعبير الفني والمعارف العلمية والتكنولوجية، بما في ذلك المعارف في صورتها الرقمية وإتاحة لجميع الثقافات في أن تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر، فهي كلها ضمانات للتنوع الثقافي .
وأن هذه المواد تؤكد أن الإعلان العالمي لليونسكو قد قام بمحاولة جادة ومهمة لإيجاد طريقة للتوفيق بين التنوع الثقافي وحقوق الإنسان العالمية، حيث أكد على عدم جواز استغلال هذا التنوع الثقافي كذريعة لانتهاك هذه الحقوق التي أقرتها مختلف إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان، كما أكد أيضا على أهمية التمسك بالتنوع الثقافي، خاصة في ظل تنامي تداعيات العولمة الثقافية التي تحاول أن تفرضها الثقافة بعد يوم، تبرز الحاجة للدفاع عن التنوع الثقافي الخلاق في العالم .
إذن، فالاعتراف بعالمية حقوق الإنسان لا يعني تجاهل الخصائص الدينية والتاريخية والإقليمية والوطنية في علاقاتها بحقوق الإنسان؛ لأن حالات التنوع الحقيقية تخدم فعلا عالمية حقوق الإنسان، فهي ليست مفروضة باعتبارها مرتبطة بحضارة معينة، إنما نابعة من الصفات الداخلة العميقة التي يشترك فيها كل الآدميين، وهي كرامتهم وشعورهم بالانتماء إلى الجنس البشري