القانون الدولي الخاص وانفتاحه على القوانين الأخرى

الدكتور محمد طه الهدلوش

تكتسي دراسة القانون الدولي الخاص ، أهمية كبيرة ، وذلك نظراً لدوره الفعّال في الانفتاح على القوانين الأخرى والتنسيق والتفاعل بين مختلف القوانين المعاصرة ، فهو قانون لايقوم على الفردية والانعزال ، بل على الانفتاح بين الدول ، فالأشخاص والأموال تنتقل عّبر الحدود من دولة إلى أخرى.
وقد وّجد هذا القانون للتعامل مع هذا النوع من العلاقات القانونية فهو بطبيعته يهدف الى ايجاد الحلول المناسبة للعلاقات القانونية الخاصة التي تتجاوز الحدود ، ولعل هذه الخاصية هي التي بررت عدم وجود تقنين لهذا القانون على غرار التقنينات القانونية الاخرى ، من مثل القانون المدني ، والقانون التجاري ، وكذلك القانون الجزائي . فالملاحظ على هذا القانون ، ان المشرع قلما يتدخل ، وان تدخل فبنصوص متناثرة ومتفرقة ، ولعل هذا التنوع والتناثر في النصوص يلقي بكل ثقله على القضاء ليمارس دوراً مهماً في هذا القانون ، فالقضاء بأعتباره الملجأ الاخير للمتخاصمين عليه ان يحكم بالعدل بينهم ولايستطيع ان يتذرع او ان يمتنع عن ذلك تحت تسبيب عدم وضوح النص أو عدم وجوده ، وقد نتج عن هذا الواقع ( انحسار دور المشرع ) ان اعطى مساحة كبيرة للقضاء في ان يبدع ويبتكر ويحاول صناعة الحلول في حالات عدم وجود النص ، وحتى انه مع فرضية وجود النص ، عليه في بعض الحالات ، ان يكمل ويعزز هذا الوجود النصي ويبدأ بملئ الفراغات.

فالمشرع والقاضي وفقاً لهذا التصور ووفقاً لطبيعة هذا القانون يعمل كلاهما وفقاً لنظرية الامتداد والتكامل ، فالاول أمّنَ بضرورة بقاء دوره منحصراً في الموجهات العامة بسبب من عدم امكانيته بالالمام بكل التفاصيل والوقائع بتفرعاتها وتعقيداتها المتغيرة بأستمرار بتغيير حاجات الانسان ، فالمشرع بسعيه هذا اراد ان يمنح القضاء امكانية هذه المواجهة ، وقد ازداد وتنامى هذا الدور للقضاء اكثر فأكثر خصوصاً في الدول ذات التعدد التشريعي والقضائي.

ان هذا التدخل الخجول من قبل المشرع اظهر قصوراً تشريعياً الامر الذي فسح المجال امام القضاء ليلعب دوراً منشئاً تارة وتارة اخرى دوراً معززاً لما اقره المشرع من قواعد وحلول في مجال القانون الدولي الخاص بغية التوفيق بين معطيات الحياة الواقعية ومقتضيات العلاقات الخاصة الدولية .

وفقاً لهذه الفكرة ، ان المشرع والقضاء يعملان وفقاً لنظرية الامتداد والتكامل وان كانت هذه المصطلحات ذات اثر كبير الا انني اثرت استخدامها لإيماني بالدور الكبير الذي يمارسه كل منهما ، فتارة كما قلنا سابقاً يحل القضاء محل المشرع ، ليخلق احكام قانونية ، وتارة اخرى يكمل عمل المشرع وذلك عندما يضع المشرع مبدأ عاماً ، يحاول القاضي ان يستنبط منه الحلول والاحكام القانونية وقد تمثلت هذه الاخيرة بصورة تعرف بسلطة التقدير ، وهي المرونة التي تحصل بأتفاق ضمني ما بين المشرع والقضاء ، والتي يسعى المشرع من تقريرها الى احداث او اضفاء طابع المؤامة مابين الواقع المتحرك وجمود النص بغية مواكبة التطورات الجديدة في اطار واقع الحياة ، وهذا الدور استطيع ان اصطلح عليه وبدون تردد بالدور المكمل لعمل المشرع.

قد يعجبك ايضا