اللغة الكوردية الموحدة وإشكالياتها ملاحظات حول أفكار الأديب الدكتور الشاكلي اللغوية

د. توفيق رفيق التونچي

الأديب الصديق الدكتور فرهاد الشاكلي أستاذ جامعي درس اللغة الكوردية ويجيد لهجاتها والفارسية والقديمة منها ومن الهيئة التدريسية في الجامعة السويدية العريقة في مدينة ( اوپ صاله) الشهيرة وقد عمل فيها خلال ٣٢ عاما.
استمعت إلى أفكاره حول اللغة الكورية ومستقبلها في حديث تلفزيوني طويل مشوق تحدث عن تاريخ اللغة ولهجاتها وعن تطور اللغة ورغم اني يجب ان اعترف لست لغويا رغم معرفتي وبدرجات معينة عشرة لغات نتيجة دراستي الجامعية خلال النصف قرن الماضي واحتكاكي بشعوب ذو لغات ولهجات مختلفة في العديد من دول اوربا.

لكني سأحاول ان أناقش مجمل الأفكار الواردة في الحوار وكنت قد كتبت عن الأديب على صفحات صحيفة التآخي في عددها 95716 والصادر 20 ديسمبر 2023 وعن أعماله الأدبية.

ينظر الأديب الشاكلي إلى اللغة من زاوية استخدامها بين أبنائها في جميع المجالات الأدبية الفنية والعلمية مشيرا إلى التطور الذي حصل في القرن الأخير وهذا صحيح إلا أننا أمام معضلة تاريخيّة واضحة المعالم وهوً توفر الوثائق التاريخية للإنتاج الأدبي والفني وحتى العلمي الذي قد يكون معضلة أساسية في الدراسات العلمية. لهذا نرى بان إيجاد الكلمات الجديدة لمواكبة التطور العلمي والتقني ليس بالعمل البسيط وحتى في اللغات الأخرى خذ مثلا كلمة تلفزيون ائ (الرؤية عن بعد) تستخدم في معظم لغات الدنيا وكذلك كلمة (الإنترنت) والآلاف الكلمات العلمية الأخرى.

لا بد الإشارة إلى شحوب النصوص الكوردية التي تعود إلى آلاف السنوات ان كانت مكتوبة او على شكل نصوص محفورة والمنقوشة في الأحجار والتماثيل وكذلك في القصور والمعابد. ولم تتحول إلى لغة حكم كما كانت العربية والفارسية والتركية ربما لدينا اليوم اقدم نص طبع يتمثل بأشعار احمدي خاني وخاصة رائعته (ممو زين ) التي كتبت بالكرمانجية وطبعت في الآونة الأخيرة بكثرة في تركيا خاصة بعد عام ١٩٧٠ حيث بدأ العديد من دور النشر بطبع الكتب الكوردية وبالأحرف اللاتينية خاصة (دار كومار) في انقرة وكنت شاهدا عليها حيث كنت ازور مكتب الدار والواقع في مركز العاصمة انقره ونشر الدكتور إسماعيل بيشكچي باكورة أعماله من ملفات محاكمته وكتب أخرى عام ١٩٧٤ بعد خروجه من السجن.

الجدير بالذكر في هذا السياق ان جل أدباء الكورد تاريخيا كتبوا بلغات غير لغاتهم في ايران بالفارسية وفي تركيا بالتركية وبين العرب بالعربية. ان اشهر أدباء تركيا هو يشار كمال من أرومه كوردية مع عشرات امثاله وكما لا أنسى الشاعر أحمد عارف ورائعته الشعرية (أدي لو به به م ) وهذا ينطبق على الفنون من رسم وسينما حيث نرى ان اول من حصل على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان السينما في مدينة كان في إمارة موناكو كان المخرج يلماز گوني.

الحال نفسه نراه في ايران وفي الدول الناطقين وذو الثقافة العربية من شعراء وفنانين فهذا أمير شعراء العرب أحمد شوقي من ارومة كوردية والعديدين من أدباء مصر و فنانيها وحتى في سوريا والعراق أمثال الرصافي والزهاوي والحيدري واخرون كثيرون.

اي ان الأديب والفنان الكردي خدم لغات جميع الأمم ونسى أمته والاستثناء طبعا في الشعر الغنائي والشعبي فهو موروث كبير في كافة اجزاء كوردستان. ان الاختلاف في الكرمانجية والسورانية كان سببا لعدم تعلم أولادي في المدرسة وما يسمى في السويد بمادة “لغة الأم ” لان المدرس كان يتحدث بالكرمانجية ولم يفهمها أبنائي مما حدى لمدير المدرسة طلب ان يرانا ويجتمع بنا واخبرنا برفض إعطاءهم حق دراسة المادة بسبب كون اللهجة المحكية في البيت لا يشبه لغة المدرس وللعلم معظم هولاء المدرسين لم يكونوا في واقع الأمر ممن درسوا في معاهد المعلمين وحتى في الجامعات. تلك التجربة المريرة اثرت على لغة أولادي كثيرا لاحقا.

لا ريب ان القرن الأخير الذي أشار اليه الدكتور الشاكلي جاء مع الصحوة القومية بين جميع القوميات في الدولة العثمانية عشية الحرب العالمية الأولى وتأسيس الاتحادات الثقافيةً وتأثيرها واضح في جريدة كوردستان التي نشرها البدرخانيون في مصر والشعراء الكورد في العراق امثال بي كس، دلدار، قانع، گوران، پيره ميرد واخرون.

وكما أشار الدكتور الشاكلي كان لبيان الحادي عشر من آذار ١٩٧٠ وتأسيس الأكاديمية او المجمع العلمي الكوردي في بغداد الأثر الأعظم وخاصة النصوص الخالدة في مجلداتهم الذي أعاد النهضة إلى الأدب الكوردي المعاصر وكانت تصدر باللغة الكوردية والعربية وكنت احتفظ بمجلداتها البديعة وأشاركه بذلك في دعوته بأحياء الأكاديمية العلمية الكوردستاني في الإقليم وأظم صوتي إلى ندائه في الدعوة إلى إعطاء أدارتها إلى ذوي الاختصاص في علوم اللغة من الأدباء، والعلماء، والشعراء وغيرهم.

النموذج السويدي المتكون من ١٨ كرسيا اي عضوا جدير بالتأمل حيث يجلس العضو على كرسي هيئة المجلس طوال حياته وينتخب احد الأدباء لشغل مكانه فقط عند وفاته فقط. اما ما يخص وجود لغة فصحى (استندرت) لجميع الكورد فهذا موضوع قابل للنقاش كما هي عليها كذلكً حروف كتابة اللغة. من ناحية اللغة فان اللغة الوسطية كما يسميها الدكتور هي لغة حوالي ٣٠ ٪؜ من الكورد وكتابتها بالأبجدية اما الكرمانجية التي تنتشر في كوردستان تركيا والعراق و سوريا وأجزاء من ايران فتكتب على الأغلب بالحروف اللاتينية والتي أحبذ الكتابة بها ولأمر مهم لان الكتابة بالأبجدية ورغم تكريدها بإضافة حروف ( ڤ، گ، ژ، چ، ێ، ۆ،ڵ) وإشارات أخرى لا تزال عاجزة عن إخراج جميع الأصوات خاصة صوت الذي أشير اليها في التركية ب( ı) وهذا الصوت لا يكتب اليوم بالأبجدية رغم أننا نتلفظ الحرف وبما ان موروثنا الثقافي التاريخيّ ليس بكبير لذا يمكن وبسهولة إعادة كتابتها باللاتينية مع تكريد احرفها كما قام عليها الأتراك باعتمادهم على الأحرف اللاتينية وبعض النصوص التي ترجع إلى الحضارات القديمة في المنطقة ومن ضمنها حروف كوردية وتم إعادة كتابة العديد من نصوص الكتب القديمة وتحويلها إلى كتابة لاتينية قام بها المجمع الوطني للغة التركية بهذه المهمةً وبما ان اللغات حية فان الناس بطبيعتهم لا يفهمون النصوص القديمة فيما يسمى اليوم باللغة العثمانية حيث تدرس في المدارس بجانب اللغة التركية الحديثة.

هذا واختلف مع الدكتور تماما في توجهاته فيما يخص اللغة الإنكليزية وهو العارف بانها اهم لغة في الدراسة الجامعية وبابا معرفيا للمعرفة والعلوم وحسب تجربتي الجامعية هنا في السويد درست العديد من الكتب في الجامعة وكلها باللغة الإنكليزية والتي تعتبر أساسا وحتى إجباريا وشرطا من شروط القبول للدراسة الجامعية. الإنكليزية باب معرفي واسع لا يمكن لأي شعب اليوم الاستغناء عن البحوث والدراسات واللغة التقنية والإنترنت وعلوم الفضاء وغيرها تكتب بها وهي المفتاح للمعرفة وبابها المشرع فكيف بنا نغلق المعرفة عن أبنائنا وخاصة أننا لا نجد كتابا واحدًا علميا كتب باللغة الكردية وكما ذكرت لأن معظم المصطلحات لا توجد لها مرادفات في لغتنا. لا ريب ان اللغات في الشرق قد تأثرت بلغة المحتل وما يسمى في الأدبيات السياسية ب (الاستعمار).

ففي الدول التي انتدبتها بريطانيا انتشرت اللغة الإنكليزية كما هي عليها في الهند، باكستان، الأردن والعراق ودول الشرق الأخرى والفرنسية والإيطالية والإسبانية في شمال أفريقيا وأجزاء من الشام في لبنان وسوريا.
لكنني ارى بان محتوى النص هو الأهم وليس لغتها واللغة قد تكون عائقا في العالمية والانتشار ومثال ذلك نراه في النص القراني الذي يصعب ومن المحاذير ترجمتها، بل حاول الأتراك والفرس مثلا كتابة معانيها في لغاتهم ولم يترجموا النصوص كلمة بكلمة. وقد أشرت إلى أدباء كورد كتبوا بلغات أخرى غير لغات الأم، ولكن مضامينها كوردية وبيئتها كوردستان راجع روايات الأديب يشار كمال. اليوم من السهولة ترجمة اي نص كتبت باي لغةً كانت الى معظم لغات العالم عنً طريق برامج الكومبيوتر. ولم تعد اللغة حاجزا للمعرفة وانتشار العلوم. أعود لأقول بان اللغة لا يعتبر أبدا دليلا على القومية فهناك المليار من البشر يتحدثون باللغة الإنجليزية او الإسبانية وحتى العربية وهم ليسوا من تلك القوميات وقد أشار الدكتور الشاكلي ضمنا إلى ذلك حين أشار الىً وجود المئات من الأجانب ممن بصورة او بأخرى تعلموا اللغة الكوردية. اللغات للتواصل والتفاهم وكي لا يكون تكرار أقول ان مؤسسي المعاجم والقواعد في العربية هم ليسوا من العرب لا، نفطويه ولا سيبويه. اللغات ترتبط عضويا بالكيانات السياسية وبلغة الحاكم كذلك ورغم انتشار العربية عن طريق الدين نرى لغات أخرى لمً تنتشر عنً طريق الحكم كما هي عليها الفارسية والتركية والقبطية والرومانية واليونانية وهي لغات حكموا قرون عدده.

الجدير بالذكر ها هنا بان بعض الكلمات العلمية تنتشر عن طريق احد العلماء فنرى علوم الاقتصاد بالإيطالية والتقنية بالإنكليزية والألمانية والفلسفة باليونانية والدين باللاتينية والعربية ناهيك عن ما يجري على اللغات من تداخل نتيجة للحوار الإنساني الحضاري بين الشعوب وتبقى اللغة مجرد أدوات للتواصل والتفاهم، لا غير.
أما لفظ مفردات اللغة (علم الأصوات) فموضوع آخر يعتمد لفظ الكلمة بالدرجة الأولى على البيئة والمناخ فالأصوات التي تخرج من الحنجرة الجافة في الصحراء لا تتشابه مع تلك التي تخرج في المناطق الرطبة والساحلية لذا نرى نعومة في لفظ احرف (ع، خ، ق،غ ،ح ) وهي أصوات تخرج من الأماكن السفلية من الحلق وكلها صحراوية وتتغير جميعا بين الأمم الأخرى انظر إلى اللهجة اللبنانية في لفظها الكلمات العربية. وكذلك تلفظها في الفارسية والتركية واللغات الأخرى.

وقد أشار الدكتور إلى صعوبة لفظ حرف العين مثالا ويفهمها الأتراك مثلا من سياق الجملة رغم كتابتها ب H . طبعا يجب ان لا ننسى تأثير النص القرآني وتداخل كلماته في معظم لغات المسلمين أينما وجدوا ولهذا نرى العديد من الكلمات العربية التي كردت وأصبحت جزء من اللغة الكوردية وكذلك في لغات مثل أوردو، الفارسية، التركية ولغات أخرى ضمن الدول الإسلامية الغير عربية. خذ مثلا حرف الظاء وحرف الذال الذي لا يلفظ في الكوردية وتتحول إلى زال ما في كلمة مزهر (مظهر) وهازا ( هذا). وصعوبة لفظ حرف الثاء لذا من الطبيعي تلفظ الكلمات الأجنبية بنبرة مغايرة للأصلية او تحويرها كما في كلمةً شاز (شاذ) الذي يأخذ معنّى جديدا وقد لاحظت ذلك في استخدام الفرس في لغتهم للكلمات العربية وبمعاني مختلفة تماما عنها عن معنى اصلها العربي. الملاحظ كذلك بان الكورد يحاولون دوما تغير الأسماء العربية بما يلائم لغتهم مثلا محمود يتحول الى خوله ، إسماعيل يتحول إلى سمكو، عائشة إلى ئايشه، خديجة الىً خه جه وأسماء أخرى كثيرة متحوره. الموضوع بأكمله يحتاج الى لغويين ليبحثوا ويحللوا ويقرروا مستقبل اللغة الموحدة.
لكني أشارك الدكتور الشاكلي تحليله لأسباب عدم انتشار اللغة الكوردية عالميا من أسباب سياسية، العلمية والقانونية وأعود أوكد بان اللغات ترتبط بالكيانات السياسية بالدرجة الأولى وهذا ما نراه اليوم من تطور في استخدام اللغة في إقليم كوردستان ما بعد ٢٠٠٣.
في الختام ومرة أخرى أضم صوتي في المطالبة مع الدكتور الشاكلي الحكومة والمؤسسات المعنية في الإقليم لتفعيل المجمع العلمي الكوردستاني واختيار أعضاء المجمع من ذوي الاختصاص لما فيه مصلحة شعب كوردستان.

السويد
2025

قد يعجبك ايضا