د. ابراهيم احمد سمو
ما بين زيارة ترامب والمنعطفات الكوردية… أيُّ مستقبل ينتظر العلاقة مع واشنطن وطهران وبغداد؟
ما بين زيارة ترامب والمنعطفات الكوردية… أيُّ مستقبل ينتظر العلاقة مع واشنطن وطهران وبغداد؟ما بين زيارة ترامب والمنعطفات الكوردية… أيُّ مستقبل ينتظر العلاقة مع واشنطن وطهران وبغداد؟
في خضمّ الأحداث المتسارعة التي يشهدها الإقليم والمنطقة، برزت مؤخرًا أربع محطات مهمة تستدعي الوقوف والتأمل، لما لها من دلالات سياسية واقتصادية لا يمكن التغاضي عنها. أولها، زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بعض دول الخليج، وثانيها الكلمة اللافتة للرئيس مسعود بارزاني في مؤتمر دمج اتحادي الطلبة والشباب، وثالثها الزيارة الخاطفة وذات الصدى الكبير التي أجراها رئيس إقليم كوردستان،السيد نيجيرفان بارزاني، إلى طهران، ورابعها زيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان، السيد مسرور بارزاني، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الزيارة التي تزامنت مع تصاعد نبرة الانتقاد الكوردي تجاه بغداد، لا سيما من خلال تصريحات الرئيس مسعود بارزاني التي وصف فيها نهج الحكومة الفيدرالية تجاه الإقليم بـ”اللامسؤول”.
وفي كلمته، تساءل الرئيس بارزاني بشكل مباشر: أين وصلت العلاقة مع بغداد؟ سؤال يعكس مرارة طويلة وتجربة تكررت دون نتائج حقيقية، في علاقة شابها الكثير من التردد والمراوغة. ولهذا، جاءت زيارة السيد مسرور بارزاني إلى واشنطن، والتي يمكن وصفها بالجولة الأهم منذ سنوات، لتفتح بابًا نحو مرحلة جديدة من العلاقات، إما أن تتطور وتتجذر، أو أن تصل إلى قناعة مشتركة بأن لا جدوى من المراهنة على شريك لا يفي بالتزاماته، سواء داخليًا أم خارجيًا.
ما وراء ملفات النفط والسياسة
بيان وزارة الثروات الطبيعية في كوردستان أشار إلى تجديد عقود نفطية سبق أن تم التوقيع عليها من قبل الحكومة الفيدرالية، وهو ما اعتبره البعض اختراقًا في ملف شائك ظلّ مصدر توتر بين أربيل وبغداد. ومع ذلك، فإن هذا التطور لا يمكن فصله عن المسار السياسي العام، إذ إنّ العلاقة بين الاقتصاد والسياسة تكاد تكون عضوية، خصوصًا حين تكون الولايات المتحدة طرفًا فاعلًا في المعادلة.
فعندما تُبنى العلاقات على الثقة، تُمهّد الطريق أمام تجديد العقود، ويشعر الشركاء بالطمأنينة. وحين يكون الطرف الآخر هو الولايات المتحدة، القادرة على التصعيد أو التهدئة، تصبح الحسابات أكثر تعقيدًا، والنتائج أكثر عمقًا، تتجاوز النفط والغاز إلى استراتيجيات إقليمية شاملة.
أمريكا أمام خيارين… والكورد شريك لا يُستهان به
اليوم، وبعد سنوات من التراكم في بناء علاقات قوية بين كوردستان والولايات المتحدة، يبدو أن واشنطن وصلت إلى مفترق طرق حاسم: إما أن تواصل شراكتها مع الكورد كطرف موثوق ومعتدل في منطقة مشتعلة، أو أن تفسح المجال لقوى أخرى لملء الفراغ. وبما أن التجربة أثبتت أن الكورد طرف يعتمد عليه، فإن من المرجّح أن تميل الكفة لصالح استمرار هذه العلاقة.
العلاقات الكوردية–الأمريكية لم تكن يومًا علاقات عاطفية أو قائمة على المجاملات. بل كانت دومًا قائمة على التقاء مصالح ووعي متبادل بالدور الذي يمكن للكورد أن يلعبوه في استقرار المنطقة. ومن هنا، فإن زيارة السيد مسرور بارزاني لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل حملة سياسية مركّبة، هدفها إيصال رسالة مفادها: الكورد مستعدون للتعاون، على أساس الشراكة.
الإعلام… ساحة المعركة الناعمة
اللافت في هذه الزيارة، إضافة إلى محطاتها السياسية، هو الحضور الإعلامي الكثيف والموجّه، سواء في الإعلام الأمريكي أو العالمي أو الكوردي. بدا واضحًا أن هناك جهدًا حقيقيًا ومركّزًا لنقل أهداف الزيارة إلى الرأي العام، وشرح سياقها وأبعادها. وقد تم التركيز على البعدين الإنساني والاقتصادي معًا: توفير الأمان للمواطن الكوردي، وتهيئة بيئة مناسبة لاستثمارات كبرى، خاصة في مجالات الطاقة والغاز.
وفي ظل اشتعال المنطقة على أكثر من جبهة، فإن هذا التحرك الإعلامي يعكس وعيًا سياسيًا متقدمًا لدى القيادة الكوردية، التي تدرك أن المعركة لم تعد فقط في الكواليس السياسية، بل أيضًا في كسب العقول والقلوب على مستوى الرأي العام الدولي.
كلمة بارزاني… صرخة الداخل وصوت الخارج
وفي مقابل الحراك الخارجي، جاءت كلمة الرئيس مسعود بارزاني في مؤتمر الطلبة والشباب لتوجه رسالة من نوع آخر، لكنها لا تقل أهمية. كانت الكلمة صريحة، حازمة، ومباشرة في تحميل بغداد مسؤولية الانسداد السياسي القائم. فالحكومة الفيدرالية، بحسب بارزاني، لا تزال تتعامل مع كوردستان بعقلية الإقصاء والتهميش، وهي منهجية لن تُفضي إلى أي استقرار.
التوازن الصعب بين القوى الكبرى
من جهة، تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على موطئ قدم لها في العراق رغم الانتقادات التي وجهها ترامب في تصريحاته عن الوضع هناك.
ومن جهة أخرى، تستعد إيران لمرحلة ما بعد العقوبات، مستغلة أي خلل لمدّ نفوذها من جديد. وفي هذا المشهد المعقّد، يقف الكورد بين طرفين متناقضين، يسعون جاهدين لنسج علاقات متوازنة مع كلٍّ منهما، دون أن يكونوا ورقة في يد أحد.
وإذا ما نجحت واشنطن في إبرام اتفاق جديد مع طهران بشأن برنامجها النووي، فإن خارطة المصالح في المنطقة قد تتبدل. غير أن الكورد، كما أثبتوا في زيارتي طهران وواشنطن، لم يعودوا ينتظرون النتائج، بل يشاركون في رسم معالم المرحلة القادمة.
نحو عهد جديد؟
كل المؤشرات توحي بأن المنطقة مقبلة على تحولات جوهرية، وأن كوردستان تدرك هذه التحولات جيدًا. الإقليم لم يعد رهين العلاقات التقليدية مع بغداد، بل أصبح يمتلك أوراقًا سياسية واقتصادية ودبلوماسية يمكنه أن يوظفها بذكاء في رسم مستقبله.
ويبقى السؤال: هل تكون هذه الزيارات المتزامنة والتصريحات الجريئة بداية لعهد جديد في العلاقات الكوردية – الأمريكية والإيرانية، على أساس عدم الخيانة والاعتراف بالشراكة الحقيقية؟
ربما. لكنّ المؤكد أن الكورد هذه المرة أكثر وعيًا، أكثر حذرًا، وأكثر استعدادًا لما هو قادم