الاستاذ الدكتور : نزار الربيعي
لا يمكن الحديث عن تحقق مفهوم الدولة بمجرد توفر الشعب والاقليم بل لا بد من وجود سلطة عليا , تمارس سلطتها على الافراد الخاضعين لها . وبخلاف ذلك تكون امام حالة من الفوضى وعدم الاستقرار . لهذا كانت الدولة ومنذ ظهورها مقترنة بوجود سلطة عليا وهذه السلطة, ليست عنصراً من عناصر تشكل الدولة , فحسب بل عامل توحيد دائم للمجتمع السياسي . والناس لا يختارون عادة , دولتهم , لقد ولدوا وعاشوا معها , وماتوا ويموت احياناً من اجلها .. واذا كان لديهم من خيار , فسوف يختارون دولة من هذه الدول . وعندما يفقد شخص ما ولأسباب مختلفة , انتماء الى دولة ما , فانه سيقع تحت رحمة الدولة الاخرى )) . لهذا فان اهمية وجود سلطة سياسية , لا تقتصر على كونها ركناً اساسياً لقيام الدولة من الناحية النظرية بل يتعدى ذلك الى ضرورتها في قيادة المجتمع , وتسير شؤونه في كافة المجالات . فالسلطة السياسية ليست هي في الواقع , السلطة العليا التي يجب ان تهيمن على بقية القوى , فحسب بل ان تمتلك حصرياً مقومات القيادة لكي تأمر فتطاع , ومن هذه المقومات امتلاك وسائل القوة المادية , وبدونها لا وجود للدولة وليس هناك شك ان مفهوم السلطة السياسية , اخذاً ابعاد مختلفة خلال المراحل التاريخية لنشأة الدولة ، فالملك في العصور الوسطى , كان يمارس السلطة , التي تنتقل اليه بواسطة الوراثة , وكأنها سلطته يدل ذلك على . قول لويس الرابع عشر قولته الشهيرة ( النا الدولة ) ( L . Etat c.est moi ) وتغيير مفهوم السلطة بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789 م . فأخذ الحاكم يمارس السلطة باسم الدولة او باسم الامة او الشعب , وترتب نتيجة لذلك فصل فكرة السلطة عن شخص الحاكم وبالتالي انتقالها من حاكم الى آخر بموجب قواعد منظمة على النحو الذي اضفى على السلطة صفة مؤسسة قائمة بذاتها ومستمرة ومتميزة عن شخص الحاكم . الذي هو مجرد ممارس لها.
يمكننا القول ان السمات الاساسية للسياسة او السلطة العامة
– سلطة عليا واصلية تهيمن على السلطات الاخرى داخل الدولة وذات اختصاص عام وحيادية , فوصول حزب معين الى السلطة مثلاً لا يرتب في مواجهة الجميع وللصالح العام .
– ينبغي ان تكون في صيغة مؤسسة اي مجردة عن شخص الحاكم , فالاخير ليس هو صاحب السلطة السياسية وانما الدولة ( المشكلة من الحاكم والمحكومين ) . اما الحاكم فهو مجرد ممارس لهذه السلطة .
– لا تكتسب السلطة السياسية مفهومها الحديث , لمجرد امتلاكها وسائل القوة المادية لبسط سلطانهاعلى جميع افراد المجتمع وانما ان يقترن ذلك برضاهم بها .
– انها سلطة مركزية وتملك حق السيادة ، فالسسلطة والسيادة , لفظان مترادفان في الاستعمال عندما يجري الحديث عن سلطة او سيادة الدولة .
وبعد اكتمال توافر الاركان الثلاثة , الشعب والاقليم وسلطة سياسية عليا ( هيئة حاكمة ) عند ذاك نشهد نشوء الدولة ولا يهم الشكل السياسي الذي تتخذه هذه الهيئة الحاكمة في الدولة , ما دامت تتمتع بالسيادة التي تمكنها من فرض سلطانها على الاقليم وعلى الاشخاص الموجودين فيه , وتعكس في ذات الوقت , ارادة الدولة في التعامل مع الدول الاخرى في الخارج عن طريق تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي وابرام المعاهدات والاشتراك في المنظمات الدولية . وهنا تثار اسئلة كثيرة عن موضوع الاعتراف بالدولة , ما هو مضمونه ؟ وهل هو اجراء مكمل للاركان الثلاثة لقيام الدولة ام هو مستقل عنها.