ماهين شيخاني
في وادٍ سحيق تحيط به الأشجار الكثيفة، اجتمعت الطيور جميعها بدعوة من مجلس الريش الأعلى لعقد مؤتمر لاختيار قائدٍ لمنطقة الريش الجنوبي. لم يكن العدد كبيراً؛ خمسة عشر طيراً فحسب، لكن القرار الذي سيتخذونه كان سيغيّر خريطة الطيران.
تقدّم ثلاثة طيور للترشيح:
الصقر الغزال من المدينة، مهيب الجناحين، ذو حنكة وتجربة،
الغراب الأسود، شاب نشيط، سريع الطيران، لكنه معروف بدهائه،
والسنونو القروي، صغير الحجم، مخلص، لكنه لا يمتلك سوى بضعة أصوات.
تم استبعاد السنونو سريعاً، وبقي الصراع بين الصقر والغراب.
انتصر الصقر الغزال بعدد الأصوات، لكنّه نظر حوله، ووجد أن مصلحة السرب لا تتوافق مع أجنحته المتعبة، وظروفه المربكة.
وقف أمام المجلس وقال:
“أيها الرفاق، لست من أولئك الذين يطيرون بلا بوصلة، إن مصلحة الريش فوق طموحي، لذا أمنح صوتي وصوت من انتخبني إلى الغراب.”
فرح الغراب وطأطأ رأسه متظاهراً بالتواضع، فيما علت تصفيقات باردة ممزوجة بالدهشة.
لكن الصقر الغزال ، الذي كان من بين الحاضرين، نظر إلى المشهد بريبة. كان يعلم أن الريش لا يُورث، وأن القلوب قد تخدعها الألوان.
مرت سنوات…
وإذا ب الصقر الغزال ، ذاك الذي كان يراقب بصمت، يعود ليُرشَّح في مؤتمرٍ جديد، بعد أن انتشرت ألوانه بين الطيور، وكبُر صداه في الحقول والوديان.
قبل الانتخابات بشهرين، خرج يتمشى مع صديقه الهدهد، الذي طالما اعتبره ناصحاً أميناً.
قال له الهدهد:
“لقد حان دورك. لا أحد في السرب أحق منك. نحن جميعاً خلفك.”
ابتسم الصقر الغزال وقال بثقة الريش الواثق:
“لن أخذلكم.”
وفي يوم المؤتمر، وبينما كان الصقر الغزال يستعد لعرض رؤيته، رفع الغراب جناحه مجددًا، وقال:
“أنا أرشّح نفسي..!”
صمت الجميع بدهشة، حتى الصقر الغزال قال:
“أنت؟! كيف..؟”
رد الغراب:
“خالي النسر وبخني وقال لي: أقاربنا كلهم صاروا قادة… وأنت متى..؟! فقررت أن أصبح واحداً منهم.”
ابتسم الصقر الغزال بأدب، ظانًّا أن الأصوات ستظل تعترف بريشه الحقيقي… لكن ما إن أُعلنت النتائج، حتى فاز الغراب مجدداً..!
سقط الصقر الغزال من سمائه، ليس لأنه خسر، بل لأن الخيانة كانت من الهدهد نفسه، الذي سرب تحركاته للغراب كي لا يخسر الديك الأكبر، ذاك الذي جلس في القصر العالي، يوزع المناصب على أساس الولاء لا الريش.
وهكذا، حلّ الغراب في القفص الذهبي، و الصقر الغزال عاد إلى حديقته يرسم بالألوان جراحه.
لكنّه أقسم في نفسه أن يعلّم فراخه أن الطيران لا يحتاج أجنحة فحسب، بل شرفاً لا يُباع في أسواق العلف.
* ماهين شيخاني.