ماهين شيخاني
شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة حراكًا سياسيًا لافتًا، تمثّل في زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السعودية، وما تسرّب عن لقاءات ومشاريع تتعلق بالشأن السوري، بما في ذلك احتمالات رفع العقوبات عن النظام السوري، وفتح قنوات سياسية قد تُمهّد لتفاهمات إقليمية ودولية جديدة.
بالنسبة للكورد، لا يمكن التعامل مع هذه التطورات بعين محايدة، خصوصًا أن الذاكرة السياسية لا تزال تحمل جرح أكتوبر 2019، حين أعلن ترامب انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، تاركًا الشريك الكوردي وحده في وجه الاجتياح التركي، في سابقة مثّلت تحولًا حادًا في ثقة الكُورد بالحليف الأمريكي.
عودة ترامب… هل تحمل وعودًا جديدة؟
زيارة ترامب وعودته إلى الواجهة تُثير تساؤلات في الأوساط الكوردية، خاصة بعد تداول أنباء عن لقاءات مع مسؤولين سوريين، في محاولة لـ “إعادة تدوير” النظام. لكن الكورد يتساءلون: هل هذه العودة تعني بداية حل سياسي شامل؟ أم مجرد مقايضات بين القوى الكبرى تُعاد فيها صياغة النفوذ دون ضمان حقوق المكوّنات الأصلية للشعب السوري؟
رفع العقوبات: نهاية المعاناة أم شرعنة النظام؟
رفع العقوبات عن سوريا قد يُفسّر لدى البعض كخطوة نحو إنهاء معاناة المدنيين، لكن من منظور سياسي كوردي، يبدو أن المسألة لا تتعلق فقط بالمعيشة، بل بالموقف المبدئي من نظام لم يعترف حتى الآن بالشعب الكوردي كمكوّن أصيل، ولم يُقدّم أي خطوة عملية نحو الاعتراف بالحقوق القومية والثقافية والجغرافية للكورد.
سلام الشجعان… أم سلام المقايضات؟
في خضم هذه التحركات، يُطرح مفهوم “سلام الشجعان” مقابل “سلام التخاذل”. فهل سيكون السلام المرتجى سلامًا شجاعًا يُنصف المظلومين ويعترف بحقوقهم، أم صفقة جديدة تستثني الكورد كما حدث في محطات تاريخية سابقة؟ تجربة خذلان 2019 ما زالت ماثلة في الأذهان، حين تَركت واشنطن حلفاءها ليواجهوا مصيرهم وحدهم.
سوريا لكل السوريين؟
في هذا السياق، حين يُقال إن “سوريا لكل السوريين”، يتبادر إلى أذهان الكورد تلك المقولة الساخرة: “البيت بيتك… لكن لا تقترب من المطبخ!”، بمعنى أن يكون الكورد مقبولين كأرقام انتخابية أو عناصر ميدانية، لكن دون مشاركة فعلية في القرار، أو الاعتراف الفعلي بهويتهم القومية وحقوقهم كشعب.
المواطنة لا تُبنى بالخطابات بل بالحقوق. فالوطن لا يكون “لكل السوريين” إلا إذا اعترف بالجميع، وضمن شراكة حقيقية لا تستثني أحدًا.
الطريق إلى المستقبل: وحدة الصف والاستقلالية
ما يحتاجه الكرد في هذه المرحلة المفصلية هو:
رؤية موحدة تتجاوز الانقسامات الحزبية.
خطاب سياسي مستقل يطرح مشروعًا واضحًا ضمن سوريا ديمقراطية تعددية.
تحالفات استراتيجية تحترم حقوقهم لا تستغلهم كورقة تفاوضية.
الخلاصة
زيارة ترامب ورفع العقوبات قد تُعيد تحريك ملف الحل السوري، لكن دون ضمانات حقيقية، قد يتحوّل ذلك إلى نسخة مكررة من “الصفقات الكبرى”، حيث تُدار الأوطان كأنها بورصة مصالح.
أما الكورد، فهم ليسوا طلاب معونة، بل شعبٌ دفع أثمانًا باهظة في مقاومة الإرهاب وفي بناء نموذج ديمقراطي، ويستحق أن يكون جزءًا فاعلًا من مستقبل سوريا، لا هامشًا فيها.