د. ابراهيم احمد سمو
هل يمكن القول إن نيچيرفان بارزاني لم يكن مجرد ضيف عابر أو زائر بروتوكولي، بل كان في قلب التوازنات الإقليمية، حيث استطاع بحضوره البارز وجرأته في طرح الأفكار دون تردد أو قلق أن يجذب الأنظار نحوه؟ وهل يعكس الاستقبال الحار من قبل القيادة الإيرانية، بما في ذلك الرئيس بزيشكيان ووزير الخارجية، مكانته كقائد ديبلوماسي يجمع بين الحنكة والشجاعة ؟
في لقاء استثنائي يعكس قوة الحضور السياسي والدبلوماسي، يبرز السيد نيچيرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، كشخصية محورية في المشهد السياسي اليوم . ليس ضيفاً عابراً ولا زائراً بروتوكولياً،في الجمهورية الاسلامية ، بل قائداً حاضر الذهن، يطرح الأفكار بشجاعة ووضوح دون تردد أو قلق. هذه الجرأة جعلت الأنظار تتجه نحوه، ليس فقط بنظرات الاحترام، بل بعناق حار من المسؤولين الإيرانيين، بدءاً من الرئيس بزيشكيان و نائب الرئيس ظريفي إلى وزير الخارجية، و رئيس البرلمان لاحقا وصولاً إلى الشخصيات السياسية الأخرى التي لم تخفِ فرحتها بوجوده.
ديبلوماسية قوية وشفافية واضحة
في ذلك اللقاء الذي لم يكن مجرد مؤتمر عابر، بل ملتقى دولي يهدف إلى تعزيز التوازنات الإقليمية، برزت شخصية بارزاني كرمز للتواصل المثمر والحوار البناء. حديثه عن دور إقليم كوردستان كمساعد وداعم للشعوب الأخرى، لا كقوة هجومية أو متدخلة، يعكس فلسفة القيادة التي يتبناها، حيث يسعى إلى ربط العلاقات التاريخية بين الشعوب بدلاً من تمزيقها.
رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني، الذي لا يفوت فرصة للتذكير بأهمية العلاقات التاريخية مع إيران، استحضر ذكرياته في مدينة كرج، مشدداً على دور كوردستان في تقارب الأفكار والعمل الجاد على نقل الرسائل الإيجابية من الإقليم إلى بقية العراق، ومن ثم إلى الجوار الإقليمي.
طاولة الحوار وجمع الأضداد
لا يخفى على أحد أن نيچيرفان بارزاني بات يجيد فن جمع الأضداد على طاولة الحوار. في لقاءه الأخير، تجلت هذه القدرة عندما استطاع بحنكته أن يفتح جميع الملفات الحساسة أمام الأنظار، دون مواربة أو تردد، واضعاً نصب عينيه تحقيق تقارب حقيقي بين بغداد وأربيل. إن سعيه لإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف المتعارضة هو دليل على رؤية عميقة تهدف إلى حفظ التوازنات، خاصة في ظل توتر العلاقات الإقليمية، حتى في الداخل العراقي والدولة الجارة إيران.
خلال مشاركته في “پنلە” الذي استمر خمساً وعشرين دقيقة، قدم بارزاني أفكاراً ورؤى ليست مجرد رؤوس أقلام، بل مناقشة شاملة لكافة القضايا العالقة. كان حديثه واضحاً، يضع النقاط على الحروف، معتبراً أن السلام والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقهما دون التفاهم المتبادل.
الاستقبال الإيراني: تقدير واحترام
ما كان لافتاً هو حجم الترحيب الذي حظي به بارزاني من قبل القيادة الإيرانية، وهو ما عكس تقديراً واضحاً لدوره في بناء جسور الثقة بين كوردستان وإيران. الرئيس الإيراني نفسه لم يخفِ إعجابه بحضور بارزاني الذي بدا وكأنه طائر سلام يحلق في سماء السياسة الإقليمية، يحمل رسالة طمأنة في وقت يشهد العالم فيه توتراً مستمراً.
نيچيرفان بارزاني، الذي عرفته الأوساط الديبلوماسية بقدرته على الحفاظ على العلاقات رغم الظروف الصعبة، أثبت مرة أخرى أن حضوره ليس مجرد زيارة بروتوكولية. على العكس، كان وجوده عاملاً محفزاً لمزيد من الحوار من اجل السلام ، خاصة عندما شدد على أن العلاقة بين كوردستان وإيران يجب أن تقوم على المصالح المشتركة بعيداً عن أي صراعات جانبية.
قائد من طراز يُحترم من قبل الجميع
لقد استطاع نيچيرفان بارزاني على مدار سنوات أن يبني شخصية قيادية تحظى باحترام الجميع، حتى من قبل معارضيه. دبلوماسيته الصادقة، ووضوح رؤيته السياسية، جعلاه قائداً من طراز نادر في الشرق الأوسط. لم يتوقف عن العمل على جمع الآراء المختلفة على طاولة الحوار، ساعياً دوماً لتقريب وجهات النظر.
في ظل هذه الجهود، تأتي زيارته إلى إيران لتكون محطة هامة في مسار تعزيز العلاقات، حيث لم تقتصر لقاءاته على الرئيس والوزراء ورئيس البرلمان فحسب، بل شملت نخبة من السياسين وأصحاب القرار السياسي. هذه الديناميكية في الحضور والمحادثات جعلت من الصعب على الإعلام حصر جميع لقاءاته، فعددها تجاوز المتوقع، مما يدل على نشاط دبلوماسي غير مسبوق.
حامل رسالة السلام
رغم كل التحديات، يبقى نيچيرفان بارزاني رمزاً للسلام والحوار، يعمل بلا كلل لتحقيق التفاهمات، مقدماً نموذجاً لقائد يسعى لخدمة القضية الكوردية بطرق غير تقليدية، تجمع بين الحنكة السياسية والدبلوماسية الواقعية.
لقد رسخ رئيس الاقليم نيچيرفان بارزاني مكانته كقائد يتفوق على التحديات، وينجح في كسب ود من يختلفون معه قبل من يوافقونه الرأي. إن وجوده في إيران، وسط هذا الترحيب الكبير، ليس مجرد صدفة، بل تتويج لسنوات من العمل الجاد في بناء جسور التواصل، حيث بات يُنظر إليه على أنه مفتاح لحل الكثير من الإشكاليات العالقة بين بغداد وأربيل من جهة، والعراق ودول الإقليم وأوروبا من جهة أخرى، ورغم عدم التزام بغداد بتطبيق كافة بنود الدستور والفيدرالية المنشودة والمسجلة فيه، تظل الجهود مستمرة لتحقيق التوازن وبناء علاقات مستدامة
في الختام، يظهر نيچيرفان بارزاني مرة أخرى كقائد دبلوماسي من طراز رفيع، يعرف كيف يحول التحديات إلى فرص، وكيف يجعل من اللقاءات الرسمية مساحة لتقارب الشعوب وتحقيق السلام