الاستاذ المساعد الدكتور
فكري عزيز حمد السورجي
ان مسالة اناطة التحقيق بجهة معينة، مسالة متفق عليها في جميع التشريعات في العالم، الا انه مختلف عليها فيما بينها بخصوص تحديد تلك الجهة، فمنهم من أوكل هذه المهمة بقضاة التحقيق والمحققين او اعضاء القبض القضائي في بعض الاحيان، بينما اناط قسم اخر هذه المهمة للنيابة العامة، علاوة على اختصاصها الاصيل في توجيه الاتهام ومباشرته امام القضاء، اي ان هناك نظامين في هذا الصدد، الأول فصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق والثاني جمع بينهما، وكل له مبرراته وحجته و مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق
بان ياخذ مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق، على اعتبار ان هذا الفصل يمثل ضمانة جوهرية للمتهم والعدالة معا، ولكي يسلك المحقق في كافة ما يباشره من إجراءات سبيل الحياد التام ينبغي الفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام، اما جمع سلطتي التحقيق والاتهام بيد النيابة العامة فيعاب عليه انه يؤدي إلى الانحراف في التحقيق لانه من يوجه الاتهام لا يمكن ان يكون محققا محايدا عادلا
واهم الحجج والمبررات التي يستند اليها اصحاب هذا الراي ان ثمة اختلافا قائما ما بين الوظيفة التي تقوم بها جهة الاتهام والوظيفة التي تقوم بها سلطة التحقيق، فوظيفة الاتهام تحريك الدعوى الجنائية ومتابعتها خلال مراحلها المتعاقبة حتى تنتهي بحكم ثابت ثم تنفيذ هذا الحكم، فالادعاء يقف موقف الخصومة، اما وظيفة سلطة التحقيق فهي التنقيب عن الادلة سواء ما يثبت التهمة في حق المتهم او ما ينفيها، ثم الترجيح بينها واتخاذ قرار بمدى كفايتهما لإحالته إلى المحاكمة، فجوهر عمل المحقق هو السعي لاكتشاف الحقيقة سواء اكانت لمصلحة المتهم او ضده.
كما ان مبرر الفصل هو الخشية من انسياق النيابة العامة إلى التمسك بالقناعة التي تكونت لديها بشان المتهم، اذا ما عهد اليها بأمر التحقيق ايضا، وان تواصل التشبث برايها في اتهام الشخص مسالة يخشى ان يترتب عليها مخاطر المساس بحقوق الدفاع عن المتهم، لذلك فان الفصل بين السلطتين يوفر اقصى حد ممكن من الضمانات للمتهم بخصوص حق الدفاع، والفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق يؤدي بالضرورة إلى توزيع الاختصاص وتثبيته، ما يترتب عليه الحياد والعدل وخلق الطمأنينة لدى المتهم والعلة من الفصل ما بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق ليس تخصيص جهة مستقلة للتحقيق. بقدر ما يمثل ذلك ضوابط وقيود وضمانات موضوعية تضمن نزاهة التحقيق واحترام الحقوق والحريات الفردية خاصة للشخص المتهم.