بارزانيان بين واشنطن وطهران .. كيف يسعى إقليم كوردستان لتثبيت توازنه؟

 

 

خيري بوزاني

 

في ظل التحولات السريعة التي يشهدها الشرق الأوسط، تسعى القيادة الكردية في إقليم كوردستان لتحقيق توازن دقيق بين التوجهات المتعارضة، وذلك كالسير على حبل مشدود وسط عواصف السياسة. وفي هذا السياق، تأتي الزيارتان المتزامنتان لرئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني إلى طهران، ورئيس الحكومة مسرور بارزاني إلى واشنطن، كخطوتين محسوبتين تهدفان إلى تعزيز وجود كوردستان كفاعل مستقل في المنطقة، بعيدًا عن الصراعات القائمة.

 

زيارة نيجيرفان بارزاني إلى طهران لن تكن مجرد إجراء دبلوماسي، بل خطوة استراتيجية بتنسيق دقيق، بعد مشاركته في القمة العربية في بغداد. تعكس هذه التحركات فهمًا عميقًا للصراع الإقليمي، حيث لا يمكن تجاهل دور إيران الجيوسياسي في أي محاولات لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. لن يكون دخول الرئيس الكردي إلى طهران نابعًا من التبعية أو المجاملة، بل يسعى لإقامة قنوات تفاهم حول القضايا الأمنية الهامة التي تهم الإقليم، مثل ملف حزب العمال الكردستاني، الذي أصبح بؤرة قلق تؤثر على أمن إيران واستقرار العراق، وتؤثر أيضًا على العلاقات مع تركيا.

 

من الناحية الأخرى، اختار مسرور بارزاني العاصمة الأمريكية كوجهة لتحركاته الدبلوماسية. لن تكون زيارة واشنطن مجرد محاولة لكسب ود حليف قديم، بل لتعزيز شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة. الملفات التي يحملها تتعلق بكيفية دعم الاقتصاد في الإقليم، خاصة في مجالات الطاقة والنفط، بالإضافة إلى مشروع موحد لقوات البيشمركة تحت قيادة وطنية. هذا المشروع يبرز رؤية واضحة لمستقبل كوردستان، حيث يجب أن تبقى القوة تحت سيطرة الدولة لضمان الاستقرار وكسب ثقة المجتمع الدولي.

 

ما يثير الانتباه في هذه التحركات هو أنها ليست عشوائية، بل تعكس استراتيجية مدروسة تقوم على التوازن. مع الواقع الجيوسياسي المعقد، لا يمكن أن ينحاز الإقليم بشكل كامل إلى أي من القوى الكبرى، سواء كانت إيران أو تركيا أو الولايات المتحدة. لذلك، يبدو أن القيادة الكردية تتقن فن الموازنة بين الظروف الجغرافية التي تفرض شروطها والمصالح الأساسية التي تتطلب حماية حكيمة.

 

كلا الزيارتين تكشفان عن وجود عقل سياسي ناضج يفهم أن الحلول لا تأتي من الشعارات، بل من العمل العملي المدروس. نيجيرفان بارزاني ومسرور بارزاني يسعيان لتقديم أفكار واضحة حول مستقبل الإقليم وعلاقاته الإقليمية والدولية. هما لا يظهران تنازلات ولا يستعدان للصراع، بل هما يمثلان نهجًا عقلانيًا في السعي لصياغة مستقبل أكثر استقرارًا في منطقة معقدة للغاية.

 

لا تتعلق الأمور فقط بالسياسة الخارجية، بل تتضمن مشروعًا داخليًا شاملًا يهدف إلى إنشاء مؤسسات قوية واقتصاد مرن وجيش موحد، مما يساهم في نقل كوردستان من الاعتماد إلى المبادرة. التوازن الذي تطمح إليه القيادة الكردية يتعدى العلاقات مع القوى الكبرى، ليشمل إنشاء نموذج إدارة يضمن الأمن والاستقرار، مما يمنح الإقليم مكانة قوية في المعادلات الإقليمية.

 

في ظل هذا الاتجاه، تبدو القيادة الكردية وكأنها تسرع الزمن. لم يعد هنالك مجال للخطأ أو التردد، حيث يجب أن تكون كل خطوة محسوبة، وكل تصريح موازن. في هذا السياق، يبدو أن بارزانيين يعملان ليس فقط لحماية الإنجازات السابقة، بل لصياغة دور جديد للإقليم يتجاوز فكرة “الهامش”، ليصبح كوردستان مركز تواصل وجسر بين الأطراف المتنازعة ونقطة توازن في زمن تتغير فيه الموازين.

قد يعجبك ايضا