إدريس سالم
لعقود وسنوات، لم يتوقّف صراخ وصيحات بعض الجماعات القومية البعثية عن ترديد التهمة المشروخة: «الكورد خونة، الكورد عملاء، الكورد ينسّقون مع الأمريكان وإسرائيل». وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على قمّة الجهل والتخلّف، وعدم معرفتهم بعالم السياسة ودهاليزها المعقّدة، هذه الفئة الجاهلة، التي تلعب مرّة على حبل التهمة، ومرّة على حبل الطائفية، ومرّات ومرّات على حبال الحقد والعنصرية.
فبعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، وإعلانه من قاعة منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، أنه سيرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا ويمنح إدارتها فرصة جديدة، وإذ بتلك الفئة تخرج وترقص وتهلّل لبناء برج ترامب، في قلب العاصمة دمشق، وأن أمريكا صديقة السوريين، وكأن ذلك البناء إنجاز وطني وحضاري وإنساني، دون أن يدركوا أن الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، كان قد كشف بنفسه بوجود محادثات سرّية مع إسرائيل، ورغبته في تحويل ذلك المسار إلى أمر واقع، لتتحوّل تلك الفئة، التي كانت تصرخ ضدّ التطبيع والعمالة، وتخوّن الكورد وقادة دول الخليج، إلى الحديث عن فكرة الحوار الواقعي مع إسرائيل.
يتساءل المواطن الكوردي، ما التهمة السياسية القادمة، التي سيحاولون إلصاقها بالكورد؟ ألا يدلّ ذلك – عزيزي القومي والبعثي – أنها تكويعة جماعية، ونفاق سياسي؟ ألا تدلّ تكويعة القرن هذه إلى أن الكورد، هم الوحيدون، الذين يصرّون على التمسّك بثوابتهم القومية والإنسانية؟
هذه المفارقة الكبرى والهرولة نحو الواقعية السياسية، بعد تغيّر المعادلات الإقليمية والدولية، لهو حقّ مشروع في ممارسة العمل السياسي، لأيّ شعب وقيادة، لكن أن تحرّمه على الآخر، فهو جهل وتخلّف، بل ونفاق سياسي براغماتي، لا بدّ من نقده والوقوف عليه، وضرورة أن يُبدّل خطاب الكراهية والتخوين، فالكورد سيبقون متمسّكين بقضيتهم القومية والإنسانية، في وقت استدارت فيه البوصلة السياسية لدى الإدارة السورية الجديدة.
في كثير من التصريحات العلنية والسرّية، وفي ظلّ سلسلة القصف الجوي الإسرائيلي العنيف داخل الأراضي السورية وتوغّلها الجغرافي، أكّد أحمد الشرع، أنه لا ينوي خوض أيّ صراع مسلّح مع إسرائيل، معتبراً أنها ليست بالمعركة التي سيخوضها، هذه التصريحات تؤكّد صحّة ما قاله مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، «إن سوريا يمكن أن تلحق باتفاقيات التطبيع مع إسرائيل خلال الفترة القادمة».
إن الشرق الأوسط الجديد قد بدأ الآن، ومعالمه باتت واضحة أكثر فأكثر؛ فما يشهده العالم اليوم من تناقضات صارخة، تدلّ على أن هناك شعور متزايد، بأن المبادئ والقيم التي كانت تُرفع كرايات للكرامة والعدالة وحقوق الإنسان تُداس اليوم باسم المصالح السياسية والتحالفات الاقتصادية، والرسالة التي تصل إلى الشعب والمواطن، هي أن العدالة أصبحت انتقائية.