صبحي مندلاوي
بهذه العبارة العميقة، عبّر ابني (محمود ) عن المشهد الذي تصدّر مؤتمر توحيد اتحادي الطلبة والشبيبة اليوم. مشهد لم يكن عاديًا، ولم تكن فيه الصورة مجرد صورة، بل وثيقة وجدانية تُعبّر عن تاريخ، وشرعية، وتواصل بين جيلين حملا على أكتافهما مصير كوردستان. سألني ولدي عمّا أراه فيها، فابتسمت، لأني رأيت فيها أكثر مما تقوله الصورة… رأيت فيها قصة وطن.
في عالم السياسة، حيث تسود الحسابات الباردة والمصالح المتقلبة، تأتينا أحيانًا صور تختصر ما لا تستطيع آلاف الكلمات قوله. صورة مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، وهو ينحني ليُقبّل يد والده، الزعيم مسعود بارزاني ليست مجرد لقطة عابرة. إنها لحظة مشبعة بالمعاني، مملوءة بالرمزية، تختصر عقودًا من النضال، وترسم ملامح العلاقة العميقة بين جيلين من القيادة الكوردية.
هذه ليست قبلة ابن لوالده فحسب، بل هي قبلة رجل دولة لرجل تاريخ و حاضر متجدد قبلة قائد اختار أن يبني الحاضر والمستقبل وهو يستظل بجذور عميقة زرعها أب وأسطورة حية ، من لا يعرف مسعود بارزاني لا يعرف شيئًا عن كوردستان عن الصمود في الجبال والسياسة في العواصم، عن كوردستان التي قاومت وحدها الطغيان والإرهاب وبنت تجربة ديمقراطية وسط بحر من الفوضى.
إنها قبلة من رجل يبني مؤسسات الدولة، إلى رجل صاغ بيده خريطتها من دم وكرامة. اليد التي تُقَبَّل هنا ليست فقط يد الأب، بل يد الزعيم الذي حمَل على راحتيه أحلام أمة، وصانها يوم تخلّى عنها الجميع. أما اليد التي تُقَبِّل، فهي يد مَن اختار أن يسير على ذات الطريق: طريق الكرامة، والحق، والالتزام.
مسرور بارزاني، وهو المعروف برباطة جأشه وهدوئه العملي، لم ينحنِ هنا إلا إجلالاً لرمز رسّخ هوية الأمة، وصان كرامتها، ووقف حين تخاذل الآخرون. ولم يفعل ذلك لكونه “الابن”، بل لأنه “الرجل” الذي يعرف حجم الدين المتراكم على كتفيه من تضحيات البارزانيين ، ربما سيتجاهل البعض هذه الصورة، أو يراها من منظور شخصي أو عائلي. لكن من يفهم تاريخ الكورد يعلم أنها تلخص فلسفة الحكم في كوردستان: حيث يُبنى القرار على أساس من الشرعية النضالية، والتجربة الميدانية، والاحترام العميق للرموز التي صنعت هذا الكيان.
في لحظة واحدة، أمام أعين الشباب، الجيل الجديد، ينحني مسرور بارزاني ليُقبّل يد الرئيس مسعود بارزاني، لا من باب المجاملة، بل من باب الإيمان بالرمز، بالمسار، بالتاريخ. لم تكن حركة بروتوكولية، بل تعبير عن ميثاق غير مكتوب بين الحاضر والماضي.
لقد أرسل مسرور بارزاني، من دون أن يتكلم، رسالة سياسية وأخلاقية وإنسانية، فحواها: نحن لا نبدأ من الصفر، بل من حيث وقف الآباء. ومن لا يقدّر تلك الأيادي التي حملت الجبل والجمهورية واللاجئ والسلاح، لن يستطيع أن يبني مدرسة أو يحمي كرامة شعب.
الصورة ، كانت أعظم درس في القيادة والوفاء، تقول بلغة صامتة: في كوردستان، القادة لا يتصارعون على الكراسي، بل يتوارثون مسؤولية الحلم. في كوردستان، الانحناء لا يُضعف القامة، بل يُعلي من قدرها.
هي قبلة، نعم… لكنها قبلة على يد وطن
في تلك القبلة، رأينا كوردستان.. لا بشوارعها وبناها، بل بقيمها الراسخة: الوفاء، الإجلال، الاستمرار.
في عيني إبني (محمود) وأنا أروي له قراءتي لما رأى، لمحتُ الرضا. لم يكن رضا الابن عن تحليل والده فقط، بل رضا الشاب الذي أدرك أنه ليس بعيدًا عن هذه الصورة. بل هو امتداد لها. جيل محمود هو الذي سيحمل الشعلة من بعدهم. جيل يفهم الآن أن الطريق لم يبدأ من هنا، لكنه يستمر من هنا.
وفي قلبه، كما في هذه الصورة، قبلة وفاء… ووعد بالاستمرار