الحب الارضي هو الواقعي الذي يمثله عمر بن ابي ربيعة كما قال ذلك الدكتور طه حسين .. قال ذلك لان الحب السماوي هو حب يتعلق بالعواطف والخيالات والاحلام والاوهام وهذا ما لا يتوافق مع اندفاعات شاعر يشتمل على كثير من الصفات التي تؤهله للقيام بمثل هذه الاندفاعات فهو وسيم الطلعة جميل الشكل والهندام كثير العناية بنفسه وشعره وعطوره ولا يكون ذلك الا لواحد من ابناء الاثرياء وهو كذلك لان اباه عبد الله بن ربيعة من أعيان قريش لا بل هو من اغناهم ويكفي ان نقول عنه ان قريش برمتها كانت تكسو الكعبة في عام وهو بمفرده كان يكسوها العام الاخر .. فلم يكن لهذا الشاب الوسيم والغني من عمل سوى اللهو الاستمتاع بلذات الدنيا التي توفرها بيئة الحجاز التي كانت تشتمل على الغانيات والغناء والفكاهة والمجون بانواعها فهو يبحث عن المتعة والغانيات يبحثن عنه وما يغدقه عليهن من اموال وهكذا تكون المغامرات ويمكن ملاحظة ذلك عن طريق اسماء كثيرة من الصويحبات اللواتي يدعي علاقة حب معهن كما في قوله عن زينب :
تصابى القلب وادّكرا صباه ولم يكن ظهرا
لزينب اذ تجد لنـــــا صفاء لم يكن كــــدرا
أليست بالتي قالـــت لمولاة لها ظهـــــــرا
أشيري بالسلام لــه اذا هو نحونا خطــرا
كان الشعراء العذريون الذين يلتزمون واحدة حبيبة ينذرون لها شعرهم وحياتهم وهناك من يقول انهم لم يكونوا يصارحون باسم الحبيبة بل كانوا يخترعون اسما غير ما هي عليه لكي يحموها من التشهير ويحافظون عليها وعلى سمعتها وهي تعرف تلك الكناية وترتضي بها اذ كانت القاعدة ان الشاعر اذا اشتهر باسم الحبيبة فلن يزوجوها له خشيه ان يقول الناس انه قد نالها وأهلها يتسترون عليها اما بالنسبة لعمر فانه يتعامل مع الغانيات اللواتي لم يكن لديهن اي تحفظ في هذا المجال .
شعر عمر بن ابي ربيعة على هذا الشكل والانتشار اجبر الشعراء الكبار جرير والاخطل والفرزدق على الاعتراف به بل راقهم شعره حتى ان جرير اعجبته قصيدة عمر التي مطلعها :
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غدٍ ام رائح فمهجر
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري ( ان لشعر عمر موقعا في القلب ومخالطة للنفس ولو كان هناك شعر يسحر لكان شعره سحرا ) ما تقدم يدلنا على ان شعر عمر لم يكن عذريا عاطفيا بل هو شعر حسي واقعي ميداني مباشر فهو يلتمس الحب الارضي ولا يقنع بالحب الخيالي السماوي الذي جرى عليه غيره من الشعراء .
الباحث في شعر عمر يجد ان اغلب شعره غزلي واقعي ارضي في معطياته وتوجهاته لذلك ابتعد عن المديح فهو غني وليس بحاجة الى مال غيره وهو شريف ذو المقام العالي وليس طموحا لكي يتقرب من الاغنياء كذلك ابتعد عن الاغراض الاخرى واكتفى بالنسوان والشعر وليالي المجون والخمر .
المرأة عند عمر حالة متميزة لها من الخيالات والغرائز والانفعالات مثل ما للرجل ولكنها جبلت على الهدوء والكبت لاسيما في مجتمعنا العربي المغلق لكنها تعد مطلبا للنصف الثاني الذي يعلن ما في داخله وليس عليه حرج لذلك جعلها قصدة في اي مكان يلتقيها حتى في مواسم الحج..
سبق ان اشرنا الى غزله بزينب وهذه اخرى في بثينه يقول :
لقد فرح الواشون ان صرمت حبلي بثينة او أبدت لنا جانب البخل
وهذه لفاطمة أيضا يقول فيها :
وذكرت فاطمة التي علقت عَرَضا فيا لحوادث الدهر
والقائمة تطول .