محطات من ذاكرة الإعلامي الكبير جمال البرواري خلف مايكروفون الإذاعة الكوردية

عصمت شاهين الدوسكي الجزء الثاني

 

* هناك الكثير من الخبرات الفكرية والأدبية والإعلامية مهملة .

أول من أحيا حفلة للإذاعة هو المرحوم علي مردان ثم حسن جزراوي ثم ليلى عزيز وفوزية محمد ونسرين شيروان ، اما الوجبة الثانية السادة طاهر توفيق ورسول گردي ، في الخمسينيات انتسب شمال صائب الى الإذاعة ثم اندريوس خمو الذي انتخبنا له لقب إذاعي (باكوري) وكذلك الشقيقتان نازدار واسمر فرهاد. ثم تم افتتاح الإذاعة صباحا ولمدة ساعة ثم كونت فرقة تمثيلية إذاعية من أعضاء أكفاء ولكنها كانت تفتقر إلى العنصر النسوي فكان بعض الممثلين يؤدون الأدوار النسائية. مثل السيد احمد ده نك كه وره و احمد دلاوه ر. في أوائل 1957 سجلنا عدة أناشيد وطنية ومنلوجات للسيد عزيز علي حيث ترجمت من العربية إلى الكوردية كمنلوج دكتور. بعد تمديد ساعات البث الصباحي والمسائي تم الحاق السادة كريم سعيد زانستي والمرحومين حسين قره داغي وعادل عرفان ورفيق جالاك لاعداد البرامج والمناهج. لقد اتصلنا بالعلماء والمثقفين الكورد للمساهمة في الإذاعة مثل الأستاذ توفيق وهبي والأديب المرحوم رفيق حلمي ، الناحية الدينية محمد القزلچي ، عبد الحميد الأتروشي ، علاء الدين السجادي . التربوية والاجتماعية ناجي عباس وصالح سعيد وصادق بهاء الدين وجمال عبد القادر بابان ، الزراعية مهدي محمد ومحمد محمد سعيد وهادي محمد، الناحية الصحية الدكتور نوري فتوحي ، كانت تتخلل البرامج أسبوعيا نشاطات فنية وفكاهية . ان الأخوين جميل ومنير بشير قاما بدور ممتاز لأحياء التراث الموسيقي الكوردي ، ثم التحق بهم العازف الكوردي الفذ عبد القادر ديلان الذي أعاد للموسيقى الكوردية طابعها الأصيل ، ثم الأخ احمد الخليل أصبح رئيسا للفرقة الموسيقية الكوردية وملحنا ومغنيا. تركت العمل في الإذاعة في شهر آب 1958 . ليس دفاعا عن الإذاعة الكوردية وقد كتب عمر علي اميدي مقالاً في جريدة الاتحاد تحت عنوان ( ليس دفاعا عن الإذاعة الكوردية) جاء فيه : رٌب سائل يسأل، فيقول ما الفائدة من إثارة الغبار والبحث بين الأنقاض والأتربة المتراكمة عن أطلال مرفق إعلامي، يعتقد البعض انه كان سوطا بيد معظم الحكومات المتعاقبة، وتدخل بعض مراكز الفكر والرأي في كثير من الأحيان تدخلا مباشرا، في رسم سياسته، والتي كان الغرض منها تحقيق بعض النتائج بالتنسيق مع الأجهزة الحكومية الأخرى، لإظهار صورة الدولة بمظهر مقبول.

ويقول الكاتب ( في الكثير من الأحيان كان معدو ومقدمو البرامج يقعون أسرى بعض الإيديولوجيات التي لا يؤمنون بها ‘بل مفروضة عليه، ولكنه يضطر إلى إذاعتها مما يجعلهم مشاركون في أمر هو لم يريدوه وبعيد عن آرائهم) . ويستطرد الكاتب في مقاله ويقول : ردا على السائل الذي قد يكون بعيدا عن العمل الإذاعي، أو لم يكن مستمعا جيدا للإذاعة، نقول له أن في القول والسؤال الكثير من التجافي، والبعد عن الحقيقة والوهم، وأن لا ننظر إلى الأمور من الناحية العمومية، وبعين الشك والارتياب دائما فالتطرق إلى الموضوع الذي بين أيدينا لا يخلو من الفائدة، لأنه يلقي الضوء على الكثير من الحقائق، ويبدد الكثير من الشكوك، وعندما نقيم الأمور يجب الحديث عن السلبيات والإيجابيات في آن واحد، وان التاريخ وإدراك المجتمع ووعيه، كفيلان بفرز الخطأ من الصواب، حتى يبين الصورة الأقرب إلى الواقع. ولعلنا لا نغالي إذا قلنا، أن بث الفترة الكوردية ، في إذاعة بغداد في بداية الأمر، انعطاف في الاعتراف بأهمية شعب له مقوماته وتراثه، ومرحلة مهمة في تأريخ الفن الكوردي نحو التطور، ولا سيما الأغنية الكوردية ، وإخراجها من الأفق الضيق والتي كانت محصورة لدى فئة معينة وقليلة ومناطق معينة ، لعدم وجود وسائل الاتصال، إلى أفق أوسع شمل معظم أجزاء كوردستان ، كما نستطيع القول لولا الإذاعة المذكورة لضاع الكثير من التراث والفلكلور الكوردي ، فضلاً عن تطوير وصقل مواهب الكثير من الفنانين ، وهناك أمر مهم ، من المعلوم كانت نسبة الأمية مرتفعة بين عموم الشعب العراقي، ومنه الشعب الكوردي ، فافتتاح هذه الإذاعة باللغة الكوردية ، زاد من معرفة الشعب الكوردي بالعالم الذي حوله ، وأتذكر أن الكثيرين كانوا ينتظرون موعد الأخبار. دار الإذاعة الكوردية كانت تضم في معظم الفترات عدد غير قليل من المناضلين ، الذين كانوا لا يتمنون إلا الخير لأبناء شعبهم، ونقيض من كان ينظر إليها بعين من عدم الارتياح ، في معظم الأحيان ، ففي كثير من الأحيان كان عين مقدم البرامج على الميكرفون أو ورقة البرنامج ، وعين على الباب أو الشباك، يراقب متى يظفر به رجال الأمن أو الشرطة لإيداعه في المعتقل أو لإجراء التحقيق معه. الحديث عن صرح مهم هوى، ودام أكثر من ستة عقود ونيف ، أمر مهم لتوضيح الكثير عنها للأجيال الحالية واللاحقة، لأن هناك جيلاً كاملاً يجهل الكثير، عن هذا المرفق الحيوي ، الذي كان يلعلع في يوم ما ، وكان محل إعجاب الكثيرين، وينتظرون افتتاحه على أنغام صوت القبج (الحجل) أو البلبل. إذن من الإنصاف أن نسلط الضوء الكافي، على دور الإذاعة الكوردية وخلال عمرها الطويل وإعطائها الاعتبار اللازم، رغم ما قال ويقال والشكوك التي كانت تحوم حولها والانتقادات الموجهة إليها. تم تأسيسها أثناء الحرب العالمية ألثانية في (29-1-1939) على وجه التحديد ، وقد تكون لأسباب سياسية ، أكثر من ترفيهية ، وذلك خوفا من التوجهات الكوردية نحو ألمانيا ، والأفكار النازية والتعاطف معها، والتي انتشرت في العالــم ، بعد أن وجدوا أن الحلفاء ولا سيما بريطانيا وفرنسا قد خذلتهم ، كما أنها تزامنـــت مع افتتاح القسم الكوردي في إذاعة الشرق الأدنى في يافا، والتي كانت برامجها موجهة حول محاربة الأفكار النازية على وجه الخصوص ، وذلك بجهود فئة كوردية خيرة ومثقفة ، وقد كانت بثها في بداية الأمر ربع ساعة في اليوم، ومع برامج إذاعة بغداد ، مع إقامة حفلة كل ليلة جمعة، على الهواء مباشرة لأحد الفنانين الكورد في تلك الفترة، وأخذت تتوسع تدريجيا، في ضوء المستجدات الجديدة في العراق، ونزع من الانفتاح على الحقوق الثقافية للشعب الكوردي ، وفي العهد الجمهوري تم الاهتمام بها أكثر، فتحولت عام 1960 إلى قسم مستقل، وأصبح البث فيها صباحا ومساء، وبعد اتفاقية آذار 1970 أصبحت مديرية عامة، وأصبح البث فيها عشرون ساعة. في بداية الأمر رغم إمكانياتها المحدودة، استقطبت كوكبة مثقفة من العاملين ، وكان يسعى هذا الرعيل الأول ، من خلال برامجها إشاعة نوع من الروح القومية والثقافة والأدب الكوردي، وبلغة كوردية سلسة وسليمة ، بحيث يفهمها الكل، بعيدا عن التعقيد والمصطلحات الجديدة، كما كانت لها دور بارز في كافة مراحلها ، في تنمية القابليات وتأهيل العشرات من المثقفين والشعراء والأدباء والفنانين من جميع أنحاء كوردستان ، مع تقديم البرامج الثقافية ، وتوفير أرضية مناسبة للفنانين لتقديم نتاجاتهم أو الفلكلور، وتعريف المستمع الكوردي عليهم ، لأن قابليتهم كانت مكبوتة ، لأنها كانت وسيلة للتواصل بين الماضي والحاضر، والمحافظة على التراث من العبث والضياع ، في وقت لم تكن هناك وسائل للحفظ ، غير على الشفاه ، وكم منها اختفت أو حورت ، وكم من الأذان قد شنفت ، على برامجها وأصوات مذيعي ومقدمي تلك البرامج ، وأغانيها الشجية وأنغام موسيقاها ، حقا كان لها جمهور واسع من المستمعين ومن كل الأعمار، لأنها كانت الإذاعة الكوردية الوحيدة ، ماعدا القسم الكوردي الذي ذكرناه في يافا ، ومن ثم افتتاح إذاعة القاهرة في عام 1957، والتي فجرت أزمة بين جمهورية مصر العربية وكل من إيران وتركيا في وقتها ، وردا عليها أقر شاه إيران المخلوع افتتاح إذاعة كرمنشاه في إيران ، ماعدا إذاعة يريفان ، وأخيرا القسم الكوردي في إذاعة صوت أمريكا ، وقد كانت إذاعة موجهة. ولعلنا لا نجافي الحقيقة – إذا قلنا كانت الاستفادة من الإذاعة في بدايتها لفئة محدودة ، لأن الطبقة الثرية كانت تمتلك أجهزة الراديو، لأسباب منها – كانت تعمل على البطارية السائلة ، وكانت أكبر رقعة جغرافية في كوردستان كانت تفتقد إلى الكهرباء، فقد كان من الصعوبة شحن البطارية ، إلا في حالة إرسالها إلى المحافظات ، كما أن الحكومة هي التي تستورد الأجهزة ، وتجبي الرسوم من مالكيها ، وبعدها تم تصنيع الترانزستر، وأخيرا البطارية الجافة الصغيرة ، وتم إيصال الكهرباء إلى أكثر المدن ، فأصبحت أكثرية العوائل تمتلك المذياع. ولكن من المؤسف أن أكثر مقتنياتها قد فقدت وكان ذلك خسارة كبيرة

 

 

قد يعجبك ايضا