حضن الضوء

خير الله قاسم المالكي 

على ابواب مدن يظل الفجر بخيوطه يصنعها مدن من نوره الأبدي  . بين شمس تستعد للنهوض وليل يخطو خطوات البعد نحو صبح لازال في عتمته واقف ينتظر صحو الناظمين ببطء مزدوج بين رغبة الجسد وإشراقة الشفق الأبدي. كان مزاحم لم يسير وحده بالمعنى المتعارف عليه والسائد في مفاهيم العشاق وعبدة الطرق المظللة ،فقد كانت الظلال الراقصة بل ترافقه وتوءنس غربته وأصوات الرياح بين الوديان والجبال الصامتة تشبه احاديث زملاءه واصحابه الغايبين. لمزاحم غرض ماء من اجله انه يبحث عن ” ينوع الضياء.”أسطورة من أساطير هذا العالم المكلل بالسواد والأساطير والحكم. محفظة في صدور الرجال الكهول منهم والعجاءر .ما بقى منهم حي ومنهم من رحل وأصبح حكاية في صفحات. الزمن وفي طي النسيان.انهم حكايات في هذا العالم شبه المنسي. سفره ورحلته من أقصى ما يراه إنسان في عمره .عمر شبابي لا يتخطى العشرين في أودية مهلكة تأكل ضحاياها السج الممتلكين اندفاع وحماقة في معرفة اسرار ضاق بعها الزمن واصبحت حكايات تروى للعاشقين شوق المعرفة والتعايش بين الطقوس المزينة بالأشجار وفسائل الزرع الندي وورودها المتباينة الألوان ومزج الروايح  ومابين هذه الوديان سفح الجبال الشاهقة التي تعانق السماء بلون الازازورد المبتلى بلون الغيوم الرمادية الداكنة.في مسيره وفي كل خطوة يشعر مزاحم الزمن المنسي المثقل لكاهليه وثقل العصور المتراكمة ،بهمس الأسئلةِ الحاءرة بطعم الجواب..مر بقرى ومدن صامتة .كانها طلل لاناس كانوا يعشقون النهر ويبتلون دوما في ماءه سكانها اشباح شفافة عيونهم من وهج النار تتحرك ببط تحمل في ثناياها فراغ الانتظار الملل الحالم الطويل. حاول اختصار غرضه ويسألهم عن “.ينبوع الضياء.”لكن إجاباتهم كانت مجرد كلام مبهم وغير مفهوم.كانها رمل في صحراء تجذبها الريح إلى جل اتجاه وجان في مسيره وفي احد الليالي التي لاتختلف عن الايام السابقة إلا في كثافة الظلال وصل مزاحم إلى “.غابة المرايا.”لم تكن أشجارها من خشب بل من مرايا عاكسة تظر آلاف الصور وصورة لمزاحم نفسه كل صورة تحمل معنى مختلفا .واحدة ساذجة وأخرى مفعمة بالأمل وباءسة والأغرب إلى الواقع حاظرة.كان لابد منه وعليه ان يختار اي واحدة منهما هو اي مزاحم وأي درب يسلك بين هذه المرايا والانعكاسات اللامتناهية.تعلم ان البحث عن الضوء الخارجي يبداء بمعرفة الظلمات والانعكاسات الداخلية. تجاوز مزاحم هذا الدرب الممتزج بين الواقع والخيال درب الأشجار المرايا وانعكاساتها “غابة المرايا.” متحصن بفهم آخر لذاته فهم اعمق لصيرورته وذاته ومن حيث لا يدري وجد نفسه أمام مطب ممل وطويل “.نهر النسيان.”هذا النهر مياهه سوداوية اللونتري ببطء وكل من يشرب منها ينسى من يكون ينسى ماضيه.افراحه واللامه وحتى ماهيته وسبب وجوده .خاف مزاحم وتردد وعاد يحسب لخطواته ومنزلقاتها المخفية عن الوجودود ويساء نفسه مردد مع ذاته!؟ هل ينسى عبء رحلتة الصعبة والطويلة ويعود ويلوذ بالصمت.والام البحث. لكنه تذكر ما للنسيان من مفعول تذكر ان النسيان قد يطفىء ايضاشعلة الأمل التي تدفعه قدما فوق اختيار على عبور النهر دون ان يرتوي منه.متحملا نقل ذكرياته كجزاءات يتجزء من هويته وسعيه. ما سر مزاحم مشاهد مفرحة في كومة الظلال ما بين الجبال الشاهقة والتلول الخضراء والوديان في مسار مزاحم المتعب أثار الجلوس لينظر إلى ضوءا مختلف عن كل ما راه .لم يكن نور نار باهر يسلب العقول بل نوردافءا حنون ينبع من ارض كانها قلب العالم.كان “. ينبوع الضياء.” عندما دنى لم يجد ينبوع بالمعنى المتعارف عليه بل كان زهرة بلوريةصغيرة ،تتفتح ببطء مطلقة ذلك النور الهادىء عندها عرف مزاحم ان “ينبوع الضياء.”لم يكن ما يريد مكانا بل مكان بذرة ضغيرة تحتاج إلى من يجدها ويسقيها وتكون من عالمه ووجوده .لم يكن النور ليبدل الشفق عن العالم كله دفعة واحدة .بل يضيء من يجده ومن ثم عبره، قد يمتد ليضيء زوايا صغيرة في هذا العالم الواسع.  الزهرة أصبحت في قلب مزاحم عندما عاد ادراجه وان الرمز الأعظم هو رحلة البحث ذاتها. ان الشمولية الحقيقية تكمن في احتضان النور والظلمة.

قد يعجبك ايضا