ترامب في السعودية: إعادة ترتيب أوراق المنطقة وتفكيك حزب العمال الكوردستاني بين الواقع والتدخلات الدولية

د. ابراهيم احمد سمو

لم يكن تفكيك حزب العمال الكوردستاني مجرد نتيجة لمفاوضات بين الدولة التركية وعبد الله أوجلان، بل هو حصيلة تفاعلات إقليمية ودولية معقدة، تتجاوز في أبعادها مجرد اتفاق بين طرفين. فالظروف السياسية الراهنة لا تدل على استقرار، بل على اضطراب كبير يشهده العالم؛ حيث يلتقي بوتين وزيلينسكي في تركيا، في حين تتأرجح الأوضاع بين الهند وباكستان على حافة نزاع مسلح كاد يندلع قبل أن يتم التوصل إلى تهدئة غير متوقعة.

وفي خضم هذه المشاهد، يتحرك دونالد ترامب في المنطقة، في خطوة تشير إلى إعادة خلط أوراق اللعبة السياسية، بينما أحمد الشرع يعتذر عن حضور قمة بغداد. في المقابل، تتجه الولايات المتحدة نحو التخفيف من حدة توترها مع الحوثيين. وبالرغم من أن المفاوضات مع إيران كان من المفترض أن تُحسم بسرعة، إلا أنها تحولت إلى مسار ماراثوني، وكأن شيئًا ما يخص ترامب شخصيًا يعوق تقدمها.

حزب العمال الكوردستاني: بين التفكيك والمقايضة التاريخية

في هذا السياق المضطرب، يبدو أن حزب العمال الكوردستاني يتجه نحو التفكك بشكل نهائي، حيث بدأت الأخبار تتحدث عن استشهاد عدد من قادته في معارك سابقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر لا يمكن اختزاله في مفاوضات انتهت وحسب، بل يتجاوز ذلك ليصل إلى ما يمكن وصفه بمقايضة تاريخية تُطوى فيها صفحة الحزب الذي ظل حاضرًا في المشهد لأكثر من خمسين عامًا.

إن السياقات التي أسهمت في نشأة الحزب كانت مرتبطة بخارطة سياسية إقليمية معقدة، حيث تشكل وجوده في غموض و على الاساس رد فعل على سياسات قمعية. إلا أن الظروف التي دعمت بقاءه على مدى عقود بدأت تتغير بعد انهيار سوريا وسقوط جنوب لبنان، إضافة إلى تصفية عدد من قادة حزب الله وحماس، أبرزهم إسماعيل هنية في طهران. جاءت اللحظة الفاصلة بعد السابع من أكتوبر، عندما هاجمت حماس حفلًا يضم جنسيات متعددة في إسرائيل، حيث أدت العملية إلى تصاعد وتيرة المواجهات على كافة الأصعدة.

ترامب والأزمات الإقليمية: قرارات مفاجئة وتداعيات غير محسوبة

ترامب، الذي يواصل جولاته في المنطقة، يتخذ قرارات تبدو وكأنها تأتي من عالم الأحلام، حيث يحول ما يراه ليلًا إلى قرارات في الصباح، ما يخلق حالة من الضبابية في السياسة الأمريكية. وبينما يشهد الداخل الأمريكي ضغوطًا متزايدة، يبقى الكورد، كأمة لها تاريخ طويل من النضال، في موقع دفع الثمن من جديد.لا حبا بحزب العمال بل كرها للمقايضات.

لا ينسى الكورد ما حدث في عام 1975، عندما قايضت الولايات المتحدة قضيتهم بشط العرب في صفقة مع إيران، ما أدى إلى انتكاسة كبيرة للحركة الكوردية. واليوم، يبدو أن الخرائط السياسية تعيد تشكيل نفسها في صمت. ومنذ الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990، تغيرت معالم العالم دون سابق إنذار.

تركيا وإيران: حسابات متغيرة في الشرق الأوسط

تركيا تبدو محورًا أساسيًا في اللعبة، سواء في مصلحتها أو ضدها، حيث تتحرك وفق حسابات معقدة. أما إيران، فلا يمكن استبعادها من المشهد، إذ ربما تجد نفسها مضطرة للانسحاب من العراق بعد لبنان وسوريا، كجزء من صفقة تضمن لها البقاء إذا ما وافقت على تفكيك برنامجها النووي.

اليوم، تشتعل المنطقة بنيران متفرقة، ولا يمكن لأحد التكهن بشكل الحرب المقبلة. قرارات ترامب قد تغيرت، واليوم ليس كالأمس، لكن الآمال الكوردية ما زالت معقودة على إقليم كوردستان، الذي يسعى للحفاظ على مكتسباته رغم الضغوط.

زيارة ترامب للسعودية: الخرائط الاقتصادية قبل السياسية

زيارة ترامب إلى السعودية تأتي في إطار جديد يتجاوز السياسة إلى الاقتصاد. هذه الزيارة التي قد تحمل في طياتها فتح السوق الحرة وإعادة ترتيب الخرائط التجارية، تبرز وكأنها خطة لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. كما قال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لصدام حسين عند غزوه الكويت: “دي أمريكا يا صدام، مش لعبة عيال”.

أمريكا لا تؤمن بالحدود أو المبادئ الثابتة؛ كل ما يهمها هو النفط والمصالح الاقتصادية. واليوم، مع تقدم “بزنس ترامب” على السياسة، تبدو واشنطن كمن يضع قواعد جديدة: من يدفع أكثر يضمن بقاءه، ومن يتجاهلها يواجه الطرد من الخارطة.

السعودية وترامب: من السياسة إلى التجارة

هل ستكون زيارة ترامب بداية لفلسطين جديدة بلا حماس، كجار لإسرائيل يتعايش معها؟ وهل ستنجح السعودية في إقناع الإدارة الأمريكية بفتح أسواق جديدة لتعزيز موقعها في المنطقة؟

ما يبدو واضحًا أن أمريكا في عهد ترامب لم تعد تتبع نهجًا تقليديًا في سياساتها الخارجية، بل تتحرك بناء على مبدأ “التجارة أولًا”. ومن يدري، ربما تحمل الأيام المقبلة خريطة جديدة للشرق الأوسط على طاولة مفاوضات اقتصادية، وليست سياسية.

أمريكا وسياسات ترامب: من يحرك الآخر؟

هل يقود ترامب السياسة الأمريكية، أم أن المصالح الاقتصادية هي التي تحركه؟ هذه هي الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة اليوم، حيث تتغير ملامح العالم في ظل قراراته غير المتوقعة. وبينما يبدو أن ترامب يستغل نفوذه في الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب تجارية، يظل مصير حزب العمال الكورد ستاني جزءًا من لعبة أكبر لا تقتصر على حدود تركيا أو كوردستان، بل تمتد لتشمل الشرق الأوسط بأسره.

ختامًا: لعبة المصالح أم إعادة رسم الخرائط؟

في النهاية، تبدو الزيارة وكأنها خطوة لإعادة تشكيل توازنات المنطقة. أمريكا لا تعبأ بالتحالفات القديمة أو المبادئ الثابتة، بل تبحث عمن يملأ خزائنها بالمال. وكلما دفعت أكثر، ضمنت دعمها. وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال: هل ينجح ترامب في رسم خرائط جديدة للشرق الأوسط عبر بوابة الأسواق الحرة؟ أم أن هذه الزيارة ستفتح بابًا لصراعات جديدة بين قوى متنافسة على النفوذ والموارد؟

ما بين الواقع والمصالح الاقتصادية، يبدو الشرق الأوسط في قلب لعبة معقدة لا يعرف أحد نهايتها. لكن المؤكد أن زيارة ترامب للسعودية تحمل في طياتها تغييرًا قد يمتد لسنوات قادمة.والكورد، وبالذات في إقليم كورد ستان، عليهم اليقظة والحذر، فذلك ضرورة لتحقيق النجاح

قد يعجبك ايضا