آفاق العلاقة بين بغداد وأنقرة

 

 

شيروان الشميراني

في ضوء الزيارة التي زار فيها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أنقرة، يمكننا تحديد اتجاهين أو محورين أساسيين في مباحثاتهم: –

الأول: الجانب المتعلق بما تمر به المنطقة المحيطة بالبلدين من أوضاع إستثنائية.

والثاني: العلاقات الثنائية بينهما، ولا يمكن تجاهل التأثير المباشر للمحور الأول على طريقة إدارة المحور الثاني والذي هو الأصل دائماً في رسم السياسات الخارجية للدول، بما أن حياة الدول لا تقتصر بما يجري في الداخل، أو لا ينفرد الداخل بتحديد السياسة العامة الخارجية، بل أحياناً يلقي الخارج بثقله على كاهل الداخل، وأظن بأن العراق هو من أفضل الأمثلة على ذلك.

 

فيما يتعلق بالأوضاع التي تمر بها المنطقة القريبة، فإن المرحلة الانتقالية في سوريا بعد إنهيار أو سقوط نظام الأسد تكون في الصدارة، حيث أن العلاقة بين بغداد ودمشق ليست على ما يرام، فالعديد من القوى العراقية الحاكمة لا يرى في الرئيس السوري الحالي الذي جلس على كرسي حليفهم في قصر الشعب في دمشق الرجل المرغوب به، وتركيا بما أنها أشبه بعرّاب النظام السوري الجديد في الشرق الأوسط، تحاول الدفع بمسار العلاقات بين العراق وسوريا إلى حالة من الاستقرار الإيجابي، وتجاوز كل المراحل السابقة التي مرت، فليس الاطار الشيعي الحاكم هو من يرى في الشرع العدو من جانبه فقط، وإنما كثير من السوريين يرون في المجموعات المسلحة العراقية التي هي تحت عنوان الاطار التنسيقي أيضا عدواً دخلت الى الأراضي السورية داعمين لنظام البعث ضد الشعب السوري الثائر، فالاتهام متبادل، لكن من مصلحة البلدين تجاوز تلك المرحلة المؤلمة في التاريخ القريب لكل منهما.

 

هنا يحاول الرئيس التركي رجب طيب أرودغان وضع كل من السوداني والشرع على مسار مختلف، وربما يمتلك من التجربة ما يقدر بها على مخاطبة الضيف العراقي وإقناعه، وتكون هذه الجهود أكثر أهمية لأنها تتزامن مع عقد القمة العربية في العراق، والشرع هو مدعوٌ للحضور، وربما تشكل القمة المحطة التي تخدم الطرفين، خاصة الطرف العراقي على تطبيع العلاقة مع سوريا، بما أن التاريخ لا يعود إلى الوراء.

 

وكان المفروض بالعراقيين أن يكونوا أكثر من يعرف كيفية التعامل مع هذا الوضع السوري الجديد، لأنهم مرّوا بمثله، فهم جاءوا على أنقاض البعث العراقي، وكانت الدول العربية ارتكبت خطأ التعاطي السلبي مع ما حصل من تغيير في النظام، وتركت العراق للآخرين مع انهم كانوا الأولى بها، فلا ينبغي للعراق فعل ما فعلته الدول العربية في حينه معه.

 

أما عن النقطة الثانية، وهي العلاقة الثنائية فإن العنوان الأبرز فيها يكون “الاقتصاد”، وعليه وقع البلدان على عشر اتفاقيات تجارية بينها، لتنضاف إلى ست وعشرين اتفاقية وقعت في شهر أبريل من العام الماضي أثناء زيارة رجب أردوغان الى بغداد، ومرّ من هناك على أربيل في زيارة دولة، بالإضافة الى طريق التنمية التي تمرّ داخل الأراضي العراقية.

 

ومن الجانب العراقي تبقى إشكالية الأمن المائي من أولى الأولويات بالنسبة له، وهي قضية قديمة لم تجد الطريق الى الحلّ لحدّ ألآن، لكن قضية الأمن العام يبدو أنها تراجعت بالقدر المتعلق بالضغط التركي على العراق حول وجود عناصر حزب العمال الكوردستاني على أراضيه، جرّاء التطورات المتسارعة والإيجابية في هذا الملف، والخطر الأمني الآخر هو بقايا تنظيم الدولة “داعش”، فتركيا تريد إقامة حلف رباعي مع كل من سوريا والأردن والعراق لمواجهة التنظيم، لكن خطر داعش من حيث الحجم ليس بالمستوى الذي يدعو إلى القلق، وربما تكون قوات سوريا الدمقراطية بدعم الأمريكيين هي التي تقف في الخط الأمامي الآن، وربما تركيا تريد من هذا الحلف جعل قوات قسد ثانوية لكسب سياسي معروف.

 

كل هذه الملفات تجري تحت إشراف مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين برئاسة أردوغان والسوداني.

إنّ الملاحظ لهذه المسائل، والظروف المحيطة بالمنطقة في مقدمتها الموقع الذي وجدت فيه إيران نفسها، والمواجهات والمفاوضات بينها وبين الأمريكيين، والرغبة العراقية بالتحرر من السطوة الإيرانية، والتنافس الواضح بين طهران وأنقرة، كل ذلك يفتح آفاقاً جديدة في العلاقات بين بغداد وأنقرة، وقد تسحب أنقرة بغداد إلى نوع جديد من الدبلوماسية تختلف عن التي أرادها طهران لها، وفي حال نجاح المحاولة فقد يكون المحور الجديد في الشرق الأوسط هو “تركيا، سوريا، العراق” بديلاً عن محور “إيران، سوريا، العراق”، لكن يواجه هذا المحور في حال تشكله تحدي الدول العربية وإسرئيل، كما كان المحور السابق الذي انهار بإنهيار نظام الأسد، وقد تكون العقلانية التي يتحلى بها أرودغان عاملاً مساعداً على تهدئة خواطر الدول العربية المتحسسة من الدور التركي، خاصة أن البعد الثقافي بينه وبين العرب متناغم الى حدّ كبير.

 

قد يعجبك ايضا