دور البرلمان الإتحادي في ترسيخ مبدأ سيادة القانون في العراق

د. دژوار سندي

يُمثل البرلمان الاتحادي في العراق ركيزة أساسية في البناء الدستوري للدولة الحديثة، بوصفه الهيئة التشريعية العليا المخوَّلة بسن القوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، مما يجعله أداة محورية لتعزيز مبدأ سيادة القانون في ظل بيئة سياسية تتميز بالتعقيد والتعددية العرقية والطائفية والثقافية. وقد أكد عجز المادة (الخامسة) من الدستور الفدرالي لجمهورية العراق لعام 2005 على سيادة القانون كأصل دستوري ملزم، معتبراً أن الدولة تقوم على أساس ضمان الحقوق والحريات العامة، مما يفرض التزام جميع السلطات والمؤسسات والأفراد بأحكام القانون دون أي تمييز. إلا أن الممارسة السياسية الفعلية تظهر وجود فجوة بين النص الدستوري والتطبيق العملي، نتيجةً لعوامل متعددة أبرزها هيمنة الصراعات الحزبية وتعارض المصالح، إلى جانب محدودية استقلالية القضاء وضعف المنظومة القضائية، مما يُضعف الرقابة القانونية ويعيق عمل المؤسسات الدستورية وفقاً للأطر المقررة.  

يتجاوز دور البرلمان الوظيفة التشريعية التقليدية ليشمل مسؤولية الحفاظ على التوازن بين السلطات وتعزيز الطابع المؤسسي للدولة، فضلاً عن الرقابة الفاعلة على أداء الحكومة. ومع ذلك، فإن الاستقطاب السياسي بين الكتل البرلمانية غالباً ما يؤدي إلى شلل تشريعي، يتمثل في تعطيل إقرار القوانين الحيوية أو إقرارها بصورة لا تتناسب مع أولويات الدولة والمجتمع، مما يخلق فراغات قانونية تستغل من قبل القوى السياسية لتحقيق مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة. ومن أبرز التحديات التي تواجه النظام السياسي العراقي في هذا الصدد، ذلك الخلاف المستمر بين الحكومتين الاتحادية و إقليم كردستان، والذي يتجلى في أبعاد دستورية وقانونية واقتصادية متشابكة. فبينما كفل الدستور الفدرالي حقوقاً للإقليم، فإنه في المقابل حدد اختصاصات واضحة للسلطة الاتحادية، مما أدى إلى نزاعات مستمرة حول إدارة الموارد الطبيعية، وخاصة النفط والغاز، فضلاً عن مسألة المناطق المتنازع عليها. وقد أسهم غياب تشريعات واضحة ومنظمة، مثل قانون النفط والغاز، في تعميق هذه الأزمة، كما أثر سلباً على قدرة البرلمان في فرض سيادة القانون، لا سيما في ظل اختلاق والاختلاف في التفسيرات الدستورية وتعطيل آلية عمل المحكمة الاتحادية العليا كجهة قضائية مختصة بحسم المنازعات الدستورية.  

في مواجهة هذه التحديات، تبرز ضرورة إعادة هيكلة الدور البرلماني لتعزيز قدرته على إدارة التعددية السياسية والاجتماعية في إطار دستوري وقانوني محكم، وهو ما يتطلب إصلاحاً شاملاً للنظام الانتخابي لضمان تمثيل عادل وفاعل، وتطوير آليات الرقابة البرلمانية، وتعزيز دور اللجان التشريعية المتخصصة في صياغة قوانين تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة. كما ينبغي للبرلمان أن يلعب دوراً وسيطاً في تخفيف حدة التوتر بين المركز والإقليم، عبر تفعيل أدواته الدستورية، بما في ذلك سن تشريعات توافقية وتقديم تفسيرات دستورية ملزمة بالتعاون مع المحكمة الاتحادية العليا.  

وعليه، فإن تعزيز سيادة القانون في العراق رهين بوجود برلمان يتمتع بالكفاءة والاستقلالية والشرعية الديمقراطية، ويدرك دوره الجوهري في صون وحدة الدولة دون تميز وضمان حقوق المواطنين، ويعمل على تقنين العلاقة بين مكونات النظام السياسي في إطار الاحترام الكامل للدستور والقانون. وبالتالي، فإن مستقبل الدولة العراقية واستقرارها السياسي مرهونان بقدرة البرلمان الاتحادي على تجاوز الانقسامات السياسية والاضطلاع بمسؤولياته التاريخية في بناء دولة مؤسسات تقوم على العدالة وسيادة القانون، وتكون الغاية العليا لها خدمة المواطن وتحقيق الصالح العام.

قد يعجبك ايضا