العالم بين فوضى المصالح وصراع القوى: قراءة في تقلبات المشهد الدولي

د.ابراهيم احمد سمو

يعيش العالم في دوامة من الصعود والهبوط، حيث تتداخل الحروب مع اتفاقات السلام، وتصطدم المفاوضات بحروب الأعصاب. لم نشهد في العقود الأخيرة مثل هذه السنوات المليئة بالتقلبات والاضطرابات. يبدو وكأن العالم بأسره يعيش في حالة مد وجزر، بلا استقرار يُذكر.

جميع الدول ذات الثقل الاقتصادي تجد نفسها غارقة في حروب نفسية وأحيانًا قتالية، فيما يشبه عودة لأجواء ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث تسود حالة من الدمار غير المسبوق. دول المنطقة، بدورها، تعيش في غليان فكري وسياسي، والأفكار تترنح بين اتجاهات متناقضة.

لم يعد الانتماء للدول والتحالفات التقليدية معيارًا ثابتًا؛ فالأولويات باتت محكومة بالمصلحة المباشرة دون الرجوع إلى حسابات الولاء أو الانتماء السابق. تتجه الدول اليوم نحو تحالفات مؤقتة، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع استراتيجيات السيطرة على الموارد الطبيعية، مثل النفط الخام والغاز والمياه.

صراع القوى: من يكسب اللعبة؟
في خضم هذا السباق المحموم نحو السيطرة، تبدو القوى العظمى أكثر ارتباكًا من أي وقت مضى. الولايات المتحدة، التي تتصدر المشهد السياسي العالمي، تعيش حالة من التذبذب في مواقفها. تارة نراها تسعى لإيجاد مخرج للحرب الروسية الأوكرانية، وتارة أخرى تنشغل بفرض الضرائب وإعادة التوازن الاقتصادي.

تتقلب أولويات واشنطن بين مواجهة روسيا والتفاوض مع الصين، بينما تشهد على صعيد آخر أزمات داخلية مرتبطة بالهجرة ومشكلات اقتصادية. وفي الشرق الأوسط، تارة تستهدف الحوثيين في اليمن، وتارة تفاوض إيران حول برنامجها النووي. تتداخل هذه الملفات مع علاقتها المتوترة بالرئيس الأوكراني زيلينسكي، تارة بالتقارب وتارة أخرى بالانتقاد، في حين تتباين مواقفها تجاه الرئيس الفرنسي ماكرون.

الفوضى في الشرق الأوسط
وفي قلب الشرق الأوسط، يبدو الوضع أكثر تعقيدًا. العراق، على سبيل المثال، يعيش بين نار الاتفاقات والتوترات مع إيران. تارة يكون في مواجهة مباشرة معها، وتارة أخرى يبحث عن استقرار هش، بينما تتزايد الضغوط على طهران للقبول بشروط قاسية أو مواجهة ضربة عسكرية.

على الجانب الكوردي، لا يبدو أن الولايات المتحدة تميز بين كورد العراق وكورد سوريا، مما يثير مخاوف من انسحاب مفاجئ قد يترك فراغًا أمنيًا في المنطقة. إقليم كوردستان، الذي يترقب تطورات المشهد السياسي الأمريكي، يخشى من تداعيات أي انسحاب أمريكي مفاجئ على وضعه الداخلي، خاصة في ظل الفوضى السياسية في بغداد.

الارتباك في الإدارة الأمريكية
مع مجيء إدارة ترامب، باتت القرارات تتخذ باندفاع واضح، ما أدى إلى حالة من التخبط في السياسة الخارجية. التهديد بضرب إيران يتكرر دون تنفيذ، وإشارات الانسحاب من العراق وسوريا تثير قلقًا لدى الحلفاء في المنطقة. تبدو واشنطن عاجزة عن صياغة سياسة واضحة، وتترك خلفها مشهدًا مرتبكًا من التحالفات المتناقضة والتصريحات غير المنسجمة.

العالم في حالة ترقب
تتسارع الأحداث وكأنها سباق محموم نحو السيطرة على موارد العالم. في هذا المشهد الفوضوي، لا يبدو أن هناك طرفًا قادرًا على حسم اللعبة لصالحه. كل ما يمكن قوله هو أن العالم يمر بمرحلة غير مسبوقة من الصراع على المصالح، حيث أصبحت التحالفات متغيرة والقرارات متقلبة.
في النهاية، تبقى الشعوب، وخاصة في مناطق الصراع، تترقب بحذر ما قد تؤول إليه الأوضاع، متمنية أن يمر هذا الزمن الصعب بأقل الخسائر. الزمن، كما يبدو، لم يعد يحمل يقينًا، بل مجرد احتمالات قد تتحقق أو تتبدد بين ليلة وضحاها.

قد يعجبك ايضا