د. ابراهيم احمد سمو
الجزء الثاني و الاخير
في الجزء الثاني من مقالنا، نتوقف عند محطات تاريخية هامة، وندعو أهل الاختصاص في التاريخ إلى إعادة النظر في معاهدتي “سيفر” و”لوزان”، من الحلم إلى الواقع المؤلم. هاتان المعاهدتان اللتان شكّلتا منعطفًا حاسمًا في تاريخ كورد ستان، حيث تلاشت آمال الكورد بين الحلم المنصوص عليه في “سيفر” والواقع المرير الذي فرضته “لوزان”، والتي أدت إلى تقسيم البلاد وإحباط آمال شعب كان وما يزال يدفع ثمن تلك الاتفاقيات رغم امتلاك الأرض والوجود البشري والجغرافيا الثابتة باسم “كوردستان”.
لقد اختصر الرئيس مسعود البارزاني الموقف في كلمات قليلة، محددًا المطلوب بإيجاز حين أشار إلى أن “سيفر” كانت ضمانة للحقوق، بينما “لوزان” سحقت تلك الحقوق ووزّعت الكعكة بين الدول المنتصرة وفق تحالفات تراعي مصالحها الخاصة. ورغم ذلك، ما زال الكورد يتحملون التبعات، ليصبحوا محور اهتمام العالم بسبب ما تعرضوا له من ويلات وحروب وإبادات جماعية.
في هذا السياق، يمثل العراق الحديث مثالًا واضحًا، حيث الإبادة الجماعية وحملات الأنفال وقصف حلبجة، تلك الجرائم التي خلّفت أكثر من 180,000 ضحية، لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، وماتزال المقابر الجماعية تُكتشف، لتذكرنا كل يوم بفصول جديدة من تلك المأساة.
مدرسة النضال والتربية في زمن الحرب
أثناء حديثه، شدد الرئيس البارزاني على أهمية التربية، معتبرًا إياها الخطوة الأولى لتجاوز الجهل. واستذكر كيف واجه شعب كوردستان قسوة الحروب بتصميم، حيث واصلوا التعليم في الكهوف وتحت وابل القصف، مشكّلين “مدرسة النضال والتعليم” التي اتخذت من أصوات القنابل سيمفونية تعبر عن إرادة الرجال الذين رفضوا الاستسلام، مؤمنين بأن القضية تستحق التضحية.
وبالرغم من حساسية المواضيع المطروحة في الحوار، كان الرئيس هادئًا وواثقًا في ردوده، متجنبًا أي إساءة لأي طرف. وحين سُئل عن علاقة إقليم كردستان بسوريا الجديدة، أجاب ببساطة أن “لا علاقة” مباشرة حاليًا، لكنه عبّر عن تفاؤله بمستقبل أفضل للبلاد والمنطقة. كما أكد على ضرورة وحدة كلمة الكورد في “روژ ئاڤا” والعمل المشترك باعتباره مفتاح الحل والأمان.
سياسة متوازنة وحكمة في التعامل الدولي
في سياق حديثه، لم يغفل الرئيس البارزاني عن الإشارة إلى مفاوضات الولايات المتحدة وإيران، معبرًا عن أمله في نتائج إيجابية تعود بالنفع على الجميع. وأوضح أن على الدول أن تستفيد من هذا الحوار لتعديل سياساتها وعلاقاتها مع كوردستان والعراق، سواء كانت جارة أو بعيدة.
وفي الوقت نفسه، ثمّن دور الولايات المتحدة وحلفائها وقرار المنطقة الامنة للكورد و إنقاذ العراق من براثن النظام السابق و داعش عام 2014، مؤكدًا على دور قوات الپێشمەرگە في تحقيق الانتصار. هذه الصراحة والشفافية يتميز بها الرئيس البارزاني، حيث يتحدث بوضوح وشجاعة أمام الملايين من خلال شاشات الفضائيات، عاكسًا رؤية رجل الدولة الحقيقي الذي يحافظ على التوازن ويقود شعبه نحو بر الأمان رغم التحديات.
القيادة حين تفرض عليك القتال
خلال الحوار، أكد الرئيس البارزاني على موقفه الثابت من الدفاع عن الشعب الكوردي، قائلاً: “أحيانًا يُفرض عليك القتال وتُجبر على الدفاع، لكن الأسوأ هو الاستسلام.” هذه العبارة تختزل فلسفة القائد في الصمود والإصرار على الكرامة، وتصلح أن تكون عنوانًا لمقالات عدة، فهي تذكير دائم بأن الدفاع عن الحقوق مشروع، مهما كان الثمن.
بهذا الهدوء والثقة، استطاع الرئيس البارزاني أن يقدم نموذجًا للقائد الحكيم، الذي يتعامل مع المواقف الصعبة برؤية متزنة، مؤكدًا أن الحفاظ على المكتسبات السياسية والاجتماعية يتطلب صبرًا وحكمة، خاصة في منطقة تعيش على حافة الصراعات.