لقاء الرئيس،تواضع القائد وثبات المبدأ

د. إبراهيم أحمد سمو

في لقاء استثنائي أجري اليوم، الموافق 8 مايو 2025، عبر فضائية “شمس” في الساعة الثامنة والنصف مساءً، تابعنا حوارًا قصيرًا مع الرئيس مسعود بارزاني. وعلى الرغم من قلة الأسئلة المطروحة، كان اللقاء غنيًا بأبعاده التاريخية والفكرية. كانت هذه المناسبة فرصة لتجسيد مسيرة شعب وتضحياته عبر كلمات مختصرة، حملت في طياتها تاريخًا طويلًا من النضال والثورة. لقد كشفت تلك اللحظات عن مسار القيادة الحكيمة التي تستند إلى مبادئ راسخة وقيم وطنية.

بداية الثورة وجذور القضية
بدأ الرئيس حديثه بالعودة إلى جذور الثورة الكوردية، مشيرًا إلى الجد الراحل الشهيد عبدالسلام البارزاني، الذي كان نقطة الانطلاق نحو تحقيق حقوق الشعب الكوردي. من تلك اللحظة التاريخية، انطلقت الثورات وتوالت مراحل النضال، لتشكل مدرسة فكرية ونضالية قائمة على المبادئ الثابتة التي ترفض المساومة على الحقوق.

في خضم هذه المسيرة النضالية الطويلة، ولد الرئيس ونشأ في ظروف معقدة، حيث كان والده، الزعيم ملا مصطفى البارزاني، في المهجر بسبب التزامه بالقضية الكوردية ومواجهته لقوى الظلم. عاش الرئيس طفولته بعيدًا عن والده، ولم يلتق به إلا بعد أن بلغ الثانية عشرة من عمره. لم يكن ذلك اللقاء مجرد اجتماع عائلي، بل كان رمزًا لقوة الإرادة والتضحيات المستمرة. لقد نشأ الرئيس على قيم النضال والفداء منذ نعومة أظفاره، متأثرًا بالإرث العائلي البارزاني الذي جسّد الثبات على المبادئ.

الهدوء والثقة: سمات القائد
خلال اللقاء، برزت سمة واضحة لدى الرئيس، وهي هدوؤه المعتاد وتأنّيه في الرد على الأسئلة. كان يجيب بثقة وصراحة، بعيدًا عن أي محاولة للتلاعب بالكلمات أو المراوغة. عكس ذلك أسلوبه القيادي المتزن، حيث لم يسعَ إلى التباهي أو الادعاء، بل أكد أن القيادة ليست مجرد شعارات، بل هي التزام صادق وثابت بالمبادئ والقيم النضالية.

الرئيس، الذي تربى في المدرسة البارزانية، أشار بوضوح إلى أنه لم يقم يومًا بفعل يندم عليه. كانت كلماته نابعة من قناعة راسخة بأن القائد الحقيقي هو من يلتزم بمبادئ الثورة، مؤمنًا بالقضية في كل تفاصيل حياته. دفاعه عن حقوق شعبه لم يكن مجرد شعار، بل ممارسة يومية، مبنية على الحوار والسلام كأسس لا غنى عنها.

قرار العفو العام: رؤية إنسانية ثاقبة

من أبرز النقاط التي تطرق إليها الرئيس في حديثه، قرار العفو العام الذي صدر عام 1991 بعد الانتفاضة الكوردستانية. شمل القرار العفو عن الجنود العراقيين الذين وقعوا في الأسر، ليكون بذلك علامة فارقة في تاريخ الكورد. يُعد هذا القرار من أكثر القرارات حكمة وإنسانية في مسار القيادة الكوردية، حيث جسّد مبدأ التسامح الذي لطالما تميزت به الروح الكوردية.

وأوضح الرئيس أن هذا العفو لم يكن نابعًا من ضعف أو خوف، بل من قوة حضارية وإنسانية، تعكس قدرة القيادة على تجاوز الماضي والتطلع نحو المستقبل. رغم أهمية هذا القرار في تعزيز روح التسامح بين من كانوا في صف النظام السابق والثوار الكورد، إلا أنه لم يُسوّق بالشكل المطلوب. وقد أشرنا في اكثر من محفل و مقال و بوضوح إلى تقصير الإعلام في إبراز قيمة هذا الموقف التاريخي، معتبرًا ذلك نقطة تستحق التوقف والتقييم.

القيادة بين الفكر والممارسة
تبين خلال اللقاء أن القيادة لا تقتصر على اتخاذ القرارات فقط، بل تتطلب أيضًا متابعة حقيقية لتأثيراتها في المجتمع. كان حديث الرئيس عن قرار العفو العام نموذجًا للقيادة الحكيمة التي تتجاوز المصالح الفردية وتصب في مصلحة الشعب بأسره.

الرئيس أبدى حرصه على التعامل مع المرحلة بحكمة وتأنٍ، مدركًا أن القيادة ليست مجرد إدارة أزمة، بل هي أيضًا فن بناء جسور الثقة. استرجاعه لهذه القرارات التاريخية جاء كتأكيد على التزامه الدائم بنهج السلام والتسامح، والتطلع نحو المستقبل بروح قيادية مسؤولة.

التفاعل مع الواقع السياسي الدولي

خلال اللقاء، أبدى الرئيس رأيه في بعض الشخصيات الدولية بأسلوب يتسم بالصدق والشفافية. تحدث عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أثار إعجابه ببعض قراراته رغم الجدل الذي صاحب فترتي حكمه. كما لم يتردد في الإشادة بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الابن، معترفًا بالدور الذي لعبه في إعادة تشكيل المنطقة، رغم تعقيدات تلك المرحلة.

لقد كان لحديث الرئيس عن الشخصيات الدولية طابع استراتيجي يعكس وعيه العميق بالتغيرات العالمية وتأثيراتها على الإقليم. لم يكن مجرد تقييم عابر، بل قراءة سياسية واعية تنبع من خبرته في التعامل مع المجتمع الدولي.

الرؤية الحضارية والعلاقة مع الإعلام
وكعادة الرئيس و الپێشمرگە مسعود بارزاني المرجعية في كل مقابلة، لم يفوّت الفرصة دون التعبير عن طموحه وإيمانه بأن الشعب الكوردي سيصل إلى حق تقرير مصيره وتحقيق الاستقلال. كان يتحدث بإيمان راسخ وثقة عالية، مؤكدًا أن المسيرة نحو الحرية مستمرة، وأن الأمل في نيل الحقوق التاريخية عاجلًا أم آجلًا سوف يأتي.

اللقاء.. رسالة وضوح وثبات
ما ميّز اللقاء، إلى جانب حضور الرئيس، هو أداء المراسل الأمريكي الذي طرح أسئلة متنوعة وشاملة تناولت قضايا الإعمار والثقافة في المجتمع الكوردي. أجاب الرئيس بصدق وثقة، دون انفعال أو تردد، مما عزز صورة القائد الذي يعرف طريقه ويثق بمسيرته.

تناول الرئيس موضوع الثقافة ودورها في المجتمع، مشيرًا إلى أن الشعب الكوردي معروف بتمسكه بالعلم والمعرفة. وأكد أن الثقافة ليست مجرد مظهر حضاري، بل جزء أصيل من تكوين الشخصية الكوردية، مما يفسر إصرار القيادة على دعم التعليم والمعرفة رغم التحديات.

الخلاصة
كان اللقاء بمثابة رسالة واضحة تحمل معاني الصدق والتواضع، حيث قدم الرئيس رؤية شاملة حول القيادة القائمة على الحوار والسلام. من خلال حديثه المتزن، جسّد الرئيس صورة القائد المتواضع المتمسك بمبادئه، المؤمن بمسيرة شعبه نحو المستقبل.

هذا اللقاء أثبت مرة أخرى أن القيادة ليست مجرد منصب، بل هي مسؤولية تستند إلى تاريخ طويل من النضال والمبادئ. لقد جاء ليعكس روحًا قيادية متجذرة في مدرسة النضال البارزانية، قادرة على مواجهة التحديات بثبات وإصرار. كانت الكلمات صريحة والمعاني عميقة، مما يجعل هذا اللقاء محطة مهمة في قراءة فكر القائد وطموحاته لمستقبل أفضل لكوردستان

قد يعجبك ايضا