الاعلامي والاديب حسن العكيلي
بعد وفاة زوجها المفاجئ ضاقت الدنيا بعينيها وتسكرت الابواب بوجهها حتى صارت اضيق من خرم ابرة . حاولت ان تقف على قدميها رغم الخسارة الفادحة واعادة تنظيم حياتها ولملمة ايامها التي تناثرت ككومة قش بفعل الرياح العاتية..
لكنها وجدت صعوبة بالغة في ذلك بعد ان تلقت سيلا من الضربات الموجعة التي اخلت في توازنها واحدثت ارباكا واضحا في ترتيب اوضاعها ولكن بعد انتهاء ايام العدة التي اجبرتها ان تبقى حبيسة الدار خرجت لكي تعيل اطفالها وتوفر لهم لقمة العيش التي اصبحت صعبة للغاية ساعة فقدانها لزوجها فالراتب الذي تركه لها لايكفي الا لبضعة ايام. وبعدها ستعيش العائلة حالة من التقشف وشد البطون.وبعد ان ضغطت الحاجة والعوز على بطون واعصاب جميع افراد العائلة .. قامت بفتح باب يطل على حائط المدرسة الابتدائية التي تقابل دارها لتبيع لتلاميذها مايحتاجونه من حلويات لتعتاش عليه . حاول ابنها الكبير ذو الثانية عشرة من عمره ترك مدرسته لكنها رفضت طلبه.
لقد من الله على افراد عائلتها بالهدوء وزينهم بالاخلاق والعفة فبعد وفاة الاب صارت تلك المراة هي الاب والام والقلب الحاني الذي لف بجناحيه المكتنز بالحنان. افراد اسرتها لتشعرهم بالدفء والراحة والامان
عندما تتحرك عقارب ساعة الحائط صوب اليمين بأنتظام تدفع باطرافها المتعددة المتشابكة كأخطبوط هرم عجلة الزمن لتزرق ترياق الحياة في الاشياء الحية وسواها بالعتق والقدم.
كبر اولادها كما تكبر الاشجار وكثرت مطاليبهم لكن امهم واجهت الصعوبات بعزم واصرار وتحدي لانظير له .ذات يوم مشبع بالحزن والفقد قرر اخوتها ان يمدوا لها يد العون فوافقت وعلى مضض. وبعد استلامها لذلك المبلغ . ذابت تلك المراة الفولاذية في زحمة الحياة التي لاتتوقف كنواعير عانه حالها حال الاخرين من الفقراء الذين ما انفكوا يحاربون على اكثر من جبهة تهيئة مبلغ ايجار الدار قبل موعده ومتطلبات المعيشة القاسية وعلاج ضغطها المعاند للاستقرار .
لقد بذلت قصارى جهدها ان تكون قريبة من اهلها وذويها ولكن غلاء الايجارات دفعها الى ان تسكن في منطقة بائسة تعاني من نقص واضح في جميع الخدمات وخاصة الصحية منها والتي ظلت تحتفظ بين ترابها الكثير من الحشرات الضارة كالافاعي والعقارب ففي فصل الصيف اللاهب تتكرر حوادث اللدغ بين الصغار والكبار والتي اصبحت من الامور البديهية التي تعود الاهالي على سماعها ولا يخلو زقاق الا وقد تجرع احدهم عذاب نار السم واسقطه بالقاضية.
عندما يحل الليل كعادته ضيفا غير مرحب فيه على بيوتات تلك المحلة التي اجتمعت تحت تربها جميع عقارب وافاعي العالم تصبح مدينة لا تطاق عقارب صفراء بيضاء سوداء افاعي بمختلف الالوان والاطوال
عاشت تلك المراة ليال صعبة للغاية حصار الفقر الم فقدان زوجها والخوف من خطر لدغ العقارب. حاولت ان تبحث عن بيت ارخص من البيت التي تسكن فيه ولكنها تعود خائبة خالية الوفاض
في ليلة قائظة من ليالي الصيف اللاهبة وبينما كان الاطفال ينامون في باحة الدار شاهدت الام عقربا تندس داخل فراش اطفالها حاولت ان تعرف مكان تواجد العقرب اللعين الذي هاجم اطفالها على حين غره كذئب مفترس لايعرف الرحمة لينهش اجسادهم الغضة الرقيقة باسنانه الحادة المميتة .لكنها تفاجئت بصرخات اثنين من اطفالها . كان منظرا مرعبا عليها وهي ترى بأم عينيها تفرق شمل اطفالها مابين خائف مرعوب وبين ملدوغ يتعذب من شدة الالم وبعد ان تاكدت ان ولدها الصغير وابنتها قد تم لدغهما من قبل العقرب المهووس بالموت والالم. راحت تصرخ بشكل هستيري امتزج مع صراخ طفليها حملت طفليها بيديها وتوجهت صوب الشارع العام.. ولكن الى اين فمنطقتها تخلو من اي مستشفى استاجرت سيارة وطلبت من سائقها ان يسير بأقصى سرعة ممكنة
ارتفعت درجة حرارة الطفلين حتى صار جسديهما جمرة من حطب تغلي وتفور ثم راحا يرتجفان ويتحركان بشكل غريب لم تألفه من قبل . لقد مر الوقت بطيئا ومؤلما كالسير على الزجاج المهشم وهي تحاول ان تفعل شيئا لفلذتي كبدها لكنها لم تستطع فقد ماتت طفلتها بين احضانها لتمكن السم منها وهي على مسافة قريبة من بوابة المستشفى بينما ضل ابنها يصارع الموت بكل ما أوتي من قوة .
عند دخولها غرفة الطوارئ اجتمع الاطباء حول الاطفال فتاكدوا من وفاة الطفلة..فانصبت جهودهم من اجل انقاذ ولدها وماهي الا ساعات حتى خرج احد الاطباء وابلغ ام الطفل ان الخطر قد زال عنه وهو في طور التشافي ويمكن رؤيته بعد ساعة
عادت الام بقلب منشطر الى نصفين فص يبكي دما على ابنتها الفقيدة والاخر يدعو الله ان ينقذ وليدها المسكين عادت الى دارها بجسم منهك مدمر كبيدر قمح اشتعلت فيه النيران لم يبق منه سوى الرماد وبقايا دخان.. داعية ربها معين العاجزين بالصبر والسلوان.