ريتا عودة
فِي الْحَرْبِ، صَمْتُ الْأَشِقَّاءِ مَقْبَرَةُ الْخَوَنَةِ. ■ومضة نقديّة ■ تحمل هذه المقولة في طياتها عمقًا دلاليًا بالغًا، وتكثّف ببراعة العلاقة المعقّدة بين الأخوة، الولاء، والخيانة في خضم أتون الحرب. إنّها ليست مجرّد عبارة عابرة، بل هي بمثابة صرخة مدويّة تكشف عن هشاشة الرّوابط الإنسانيّة في ظلّ الصّراعات، وتُلقي بظلال قاتمة على مفهومَي الأخوة والتّخاذل. تتميز المقولة ببنائها اللغوي المكثّف والمؤثّر. فاستخدام كلمة “مقبرة” للدلالة على مصير الخونة يجعل الصورة حسيّة وقويّة. فالصمت، الذي يُفترض أن يكون علامة على التّواطؤ أو عدم التّدخل من قِبل الأشقّاء، يتحوّل إلى فضاء يبتلع الخائن ويقضي عليه معنويًا وربما ماديًا. هناك تضاد ضمني بين دفء الأخوة وبرودة القبر، مما يزيد من حدّة التّأثير. يمكن قراءة هذه المقولة على مستويات عدة: المستوى الحرفي: في سياق الحرب، قد يشير صمت الأشقّاء إلى عدم دعمهم أو حمايتهم لأحدهم إذا انحاز إلى طرف العدو أو ارتكب فعلًا خائنًا. هذا الصّمت يصبح بمثابة حُكم بالإعدام الاجتماعي والمعنوي عليه. المستوى الرمزي: يمكن تفسير “الأشقاء” هنا بمعنى أوسع ليشمل الرّفاق، أبناء الوطن الواحد، أو حتّى المبادئ والقيم المشتركة. في هذه الحالة، يصبح الصّمت عن الخيانة أو التّخاذل بمثابة قبر لتلك القيم وتدمير للوحدة والتّضامن. المستوى النفسي والاجتماعي: تعكس المقولة الضّغط الهائل الذي يقع على الأفراد في أوقات الحرب، حيث يُتوقع منهم الولاء المطلق والتّضحية. الصّمت عن رؤية الخطأ أو التّستر عليه يصبح فعلًا مدانًا، لأنّه يساهم في ترسيخ الخيانة ويقوّض النّسيج الاجتماعي. التأثير العاطفي والفِكري: تثير المقولة مشاعر قويّة من الغضب والاستنكار تجاه الخيانة، وفي الوقت نفسه، تبرز أهمية التّضامن والمُساندة بين الأفراد في مواجهة التّحديات الكبرى. إنها تدعونا إلى التّفكير في مسؤوليتنا الجماعيّة تجاه بعضنا البعض، وفي عواقب الصّمت عن الحق. في الختام: “في الحرب، صمت الأشقاء مقبرة الخونة” هي مقولة أدبيّة بليغة ومؤثّرة تتجاوز حدود اللحظة التّاريخية التي قد تكون قيلت فيها. إنّها تحمل حكمة إنسانيّة عميقة حول طبيعة الولاء والخيانة، وأهمية التّكاتف في وجه الصعاب. تظلّ هذه العبارة صالحة للتّأمل والتّفكير في مختلف السّياقات التي تتطلَّب الوحدة والصّدق والشّجاعة في مواجهة الانحراف والتّخاذل.