قناديل مطفئة

حسن العكيلي

حينما وصلت الى الضفة المقابلة الخالية من الحياة والحركة ادركت انك لامست خط النهاية وتيقنت من انك درت حول محور الارض وانت تبحثين عن ابرة في كومة قش اوعن زورق صغير احتواه اليم في ليلة مظلمة بعد ان مزقت خيوطه الواهنة كخيوط العنكبوت اسنان العاصفة الهوجاء العاتية .
وتأكدت وبالملموس ان الارض كروية الشكل والمناخات مختلفة والاهات متباينة وان ليس كل مايتمنى المرء يدركه .
فلا تتوغلي كثيرا بين مسامات الفضاء المترامي الاطراف . ها انت اصبحت كنجم سهيل بالنسبة لي لازلت اجمل النجوم وسط السماء وكما قال المعري . وسهيل كوجنة الحب في اللون، وقلب للمحب في الخفقان . ولانك موعد مواسم الفرح والبشارة فظهورهك المبهج يتزامن مع موعد بدء انجلاء شدة الحر والجفاف والتصحر وانقضاء القيظ، وترقب سقوط المطر واخضرار الارض.
لقد ظهر نجم سهيل هذا العام ولكنك لازلت تتدثرين بالادغال والورق الساقط والاغصان التي مزقتها مخالب القرود ومناقير الطيور تغطين في نومك العميق وسط غياهب الضياع والظلام الدامس .
لقد عرفت ذلك من تغير الرياح من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، ورحلة الزوارق صوب عرض البحر لاصطياد المزيد من الأسماك في بداية موسمها انه حدس البحارة بأن سهيل على الأبواب أو ظهر على السطح بالفعل،
يكفيك تفاخر بين المجرات ببعدك الهائل ولمعانك المذهل وبكثرة العيون التي تنظر اليك باعجاب ومحبة فكلما ابتعدت عن عشك عن صحبك ازدادت نسبة تلاشيك بين اخاديد الممرات المتعطشة لابتلاع الغرباء. لم تعد ذلك الطير القادر على عبور البحار العريضة واجتياز الاماكن المرتفعة المحفوفة بالمخاطر. فالعمر والاجهاد الواضح على بدنك والتجاعيد والخطوط التي حفرت مجاريها كاخاديد من الحصى والحجر المتكلس ادلة دامغة على انك قد كبرت واضعت بين الفيافي والسهوب المكتنزة بالاحراش اجمل فصل من فصول حياتك .
فلا تخسري ما تبقى من سني عمرك المعدودة بين ترهات عشق الرحلات وخزعبلات حب الاستطلاع
حذاري ان تعيشي حياتك كالمجانين تمتلكين طاقة عالية تحاولين ابرازها متى ما شئت. وسهولة التشتت والانزعاج من كل شي . وتخيل عدم قدرة أحد على هزيمتك أو إيقافك عن تحقيق اهدافك المشروعة وغير المشروعة عن رغبتك العارمة بالوصول الى مبتغاك. والشعور بالانفصال عن الواقع والضحك الكثير بلا سبب
ليلة البارحة حط طير على شباك غرفتي المتالقة بالانوار وراح يزقزق بصوت يثير الاستغراب . تكوم فوق الحديد الصدء سمعت دقات قلبه من بعيد وهي تدفع الاجنحة والريش المغطى بالتراب والدخان والقهر . طير فقد نصف حياته في السفر حول العالم .رش على وجهي ماء الشعر ورذاذ الود كانه يريد ان يخبرني ان ما تبحث عنه بعيد المنال ولقياه من المحال. بعد ان ذاب بين السطور حرفا وبين الغروب خيطا من ضوء احتواه الظلام بسواده
حاول ان يمسح دموعي بجناحه المنهك من رحلته التي اخذت نصف عمره ويسمعني اخر لحن عزفته الجهات المستبدة بالقسوة والنظرات الخالية من الرحمة. وحينما انتهى من معزوفته رمى ريشة العزف على الارض المخضبة بالدمع والارق .تيقنت ان املي بلقاء حبيبي صار من المستحيل
متى تهدأي ايتها العاصفة التي تصفع الوجوه بالرمل المتحجر من زمن بداية تشكيل الارض .لقد مرت سنين وانا اقف متسمر في مكاني هذا كفنار مهجور تحط على ظهره الطيور المهاجرة التي اصابها الدوار من البحر والشعور بالغثيان
ها انذا ابحث بين دواوين الشعر عن قصيدة تثير شهوة اللقاء وتمنح القلوب القلقة من خطر الهزات والزلازل . ساعة راحة لبث روح الحياة في الاوراق الميتة والضوء في الازقة التي غطى الظلام الدامس اغلب اوقاتها
اخبريني ولو بأيماءة هل تعودين قبل انتهاء موسم الربيع . ام بعد زوال العاصفة المتشنجة الاعصاب هل تعودين عندما يهدا موج البحر بعد شهور من الغضب اللامبرر – اقلامي تعاتبني متى يعود موسم التعبير فقد جفت الاحبار واصفر لون الورق وانطفئت اضواء الغرفة الممتلئة بباقات الورد
عودي قبل جفاف ورق الورد واختفاء سحر العطر وذوبان الثلج فوق اغصان العشب فقلبي لايحتمل المزيد من الانتظار.

قد يعجبك ايضا