شهربان ونوروزيات وملايّة حيدر الحيدر، حميد مجيد هدو و إقبال اعداد: عدنان رحمن

 

كمجاميع شعرية صدر للمرحوم حيدر الحيدر بعنوان ( مختارات من دفتري القديم) في العام 2013 الذي طبع في مطبعة أبابيل بطبعته الاولى ببغداد. كانت القصائد باللهجة العراقية الشعبية واللغة العربية الفصيحة، ومن الفصيح منها هذه القصائد:

– ” شهربان

شهربان ..حروفها ناعسة الأجفان

كبسمةِ الفجر في شقائق النعمان

يا روضة السحر يا نسائم الأمان

يا زهرة نديّة تداعب الأغصان

***

يا جنّة الخيالِ في شواطئ الأحلام

يا منزل القصيدة ومبعث الإلهام

يا لوحة ساحرةً جُنَّت بها الألوان

ويا ربيعاً عاشقاً يغازل الأنسام

***

مدينة تطوفُ في سمائها الأطيار

ينشقُ من حمرينها مباهج النهار

يفوحُ من رياضها مفاتق الأزهار

يا غنوة قد هيمت بلحنها الأوتار

***

شاختها تزقزق عصفورة الأنهار

تجري بأنسام الهوى تُخبّئ الأسرار

تلوح في ضفافها سنابل الأطياف

وترقص في بحرها ضفائر الأنوارْ

نوروزيات

نوروز يا حكايتي الطويلهْ

نوروز يا انشودتي الجميلهْ

يا دبكة الأفراح في خيالي

يا بهجة الألوان في خميلهْ

***

نوروز يا أجمل أغنياتي

يا نغمة تبهج لي حياتي

هامت بها جوارحي صبيا

ها قد عرفت اليوم كُنه ذاتي

***

النار والناي بنوروز معا

في قمة الاشواق قد اجتمعا

هبَّ نسيم الفجر يجتاح دمي

والورد جاء مقبلاً حيث سعى

***

نوروز غنّى وشربتُ حيرتي

والليلُ حنّا من شجون غربتي

أنا والشموع في زوايا غرفتي

غابَ الأحبة من يزيح وحشتي

***

نوروزهاتِ طافحاً جام الرضا

بارداً يُطفئ من قلبي اللظى

لنغنّي في فضاءات الربيع

علّنا نسلو وننسى ما مضى

الملاّيه

نَزِلَتْ الى ضفة النهر لتملأ الجرّة .. مُكفكفة بكفها الماء … منشدة :

شوفو إشحلاته ويلي يمه ….. ماينه يرد الروحْ

ع الحلو الأسمر ويلي يمه ….. غنى حمام الدوحْ

شلون شلون يا يمه بحالي شلون هلأسمر كاتلني بهل عيون….!

فأجبتها:

مَلأتِ القِربه والجرّه

تَرَكتِ الجُرفَ في حسرَه

فهامَ النهرُ ظمآنا

يصيحُ الويلُ في عَبْرَهْ

تجَلّى حُسنكِ سِحراً

ونلتِ الفَنَّ والخبرَهْ

ولو لا ذاكَ ما كُنت

ملاكاً تكسب الشهره

شبيه الورد يا أنتِ

ربيع الروض والخضره

هَلْمي أسعفي حالي

ورُدّي الروحَ في نظره

وعطفاً أطعمي جوعي

ولو من شهدكِ قطره

وبرداً أطفئي ناري

لذيذ الماءِ في الجرَّهْ

ركوباً هَوْدِجي روحي

من الشام الى البصره

صعوداً أَجْنِحَي حولي

ونامي في الحشا مرَّه

وطَوعاً وَسَدي صدري

كفاكِ البُعد يا سمرَهُ

تعالَي ما لَكِ ، حِنّي

لقد حاقت بنا الجَمرَه

دَعينا نرشف الكأس

وجوباً طابت السهره

فهيًا نرتوي الآن

أما لذّت لنا الخَمْرَه

لكِ اليوم فلا تَنسَي

نكوث الدهر في العِشرَه

فحسبى الدهرُ يومان

فما أدراكِ في بُكْرَهُ”.

في دراسة للدكتور حميد مجيد هدو المؤرخ الاكاديمي بعنوان ( إقبال- الشاعر والفيلسوف والانسان) صدرت الطبعة المنقحة في العام 2023 عن دار الوارث للطباعة والنشر ببغداد، وتحت عنوان فرعي بـــ ( الرجل!) ورد في جزء منه:

– ” الدكتور محمد إقبال من نوادر الرجال الذين لم يخلقوا لأوطانهم فحسب بل خلقوا للإنسانية جمعاء، لينيروا طريق سعادتها، وتقدمها، ولينقذوها من هاوية الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي تنخر كيانها إلى عالم سعید ترفرف عليه أجنحة الحرية والعدالة والمحبة والسلام. فهو شاعر، ومفكر، وفيلسوف، ومصلح، وقائد من قادة الفكر الإسلامي والإنساني في العالم كله، وهب روحه ونفسه للمسلمين وللإنسانية جمعاء، وقد اعده بعض دراسي حياته أنه أحد أربعة ( نادوا غفاة البشر) في الشرق، على حد تعبير الشاعر الفارسي عمر الخيام. الذين هم: ( جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي). فذاع صيته و طبقت شهرته الآفاق وراحت كلماته تنشر وتتردد على ألسن الناس لما تضمنته من المعاني السامية البعيدة المدى التي أحسن تناولها وعرضها على الناس ببيانه القاطع. ورأيه السديد وشعره الناصع. كان الشاعر الفيلسوف مشرق الوجه، جذاباً، مهيباً، ذكي الفؤاد حاضر الذهن، لطيف المعاشرة ظريفاً يثير النكات الأدبية والاجتماعية ويطرب بها سامعيه وكان فضلا عن ذلك سامي الخلق عفيف النفس موفور الكرامة والإباء، متواضعاً مع الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ولكنه يبدي العظمة والكبرياء مع المتجبرين من الطبقات الأرستقراطية في مجتمعه الهندي، ويتجلى لنا ذلك في حادثة حدثت له ممّا تدل على تواضعه الإسلامي؛ وإنسانيته العظيمة. دُعيَ في يوم من الأيام إلى وليمة أقامها صديق له بمناسبة زواجه وفي عصر ذلك اليوم جاءه صديق فقير من معارفه يدعوه إلى وليمة كذلك، فما كان من شاعرنا الا أن آثر الدعوة الثانية على الأولى فلباها تنازلاً منه لصديقه الفقير ،هذا ممّا يدل ذلك على تواضعه المعروف، وتجاوبه مع الفقراء في أكثر الأمور، ثم قدم اعتذاره لصديقه الأول صاحب الوليمة الأولى قائلاً له: ( لقد قبلت دعوتك في كرامة صديقي الطاهي)- ويقصد بالطاهي ذلك الفقير الذي كان قد لبى دعوته- فوقع اعتذاره هذا موقع القبول عند صديقه. فالتواضع والوداعة صفتان كريمتان في الإنسان تكبران شخصيته لدى الناس وهما تاجان يزينان مفرق الرجال، وقد قال ( مصلح الدين السعدي): ( التواضع يزين رجال المناصب، والعاقل يختار النظر إلى الغصن يحبب الناس فيك، ويرفع شأنك عندهم، ويفتح لك باب الجنة). وقد أحسن من قال أن من تواضع بغير ذل رفع وتواضع رأيه، وتواضع الدِين يحسن أدبه، وتواضع الخاطئ يغفر ذنوبه، والمتواضع إن أعطى شكر، وإن منع صبر وما افترى وقال الشاعر:

متواضع والنبل يحرس قدره وأخو التواضع بالنباهة ينبل

لم يعرف إقبال طوال حياته التي عاشها أي زيف أو خداع أو مكر بل كان مسلماً قلباً وقالباً، فلم تتحكم في نفسه الأهواء والنزوات بل إرادته الحديد كانت أقوى من ذلك، فلم يجره هواه إلى مزالق الشيطان ونزواته الدنيئة وقد قال الشاعر العربي:

وآفة العقل الهوى فمن علا على هـــــــــواه عقلـه فـمـا هـوى

كان يفاخر بماضي المسلمين، ويذكرهم بأمجادهم الخالدة، وتراثهم التليد داعياً الى تلك الحضارة الإنسانية، وإحياء ذلك التراث المجيد لاستعادة مجد المسلمين، وهيبتهم. فآمن الشاعر العظيم بأن التعاليم الإسلامية هي وحدها تستطيع إعادة ذلك التراث الإنساني الذي شعّ بريقه إلى شتى بقاع العالم فاستنارت به شعوبها وأممها المختلفة”.

أما في عنوان فرعي في نفس الكتاب للدكتور حميد مجيد هدو، الذي كان بعنوان ( النبع) فقد أورد. نذكر جزءاً منها:

– ” في أسرة متوسطة الحال تمتهن الزراعة ولد الشاعر الفيلسوف في الثاني والعشرين من شباط عام ثلاثة وسبعين وثمان مئة وألف.. في قرية ( سيالكوت) من مقاطعة ( البنجاب) في الهند- وهذه المقاطعة أصبحت تابعة للباكستان بعد انفصالها عن الهند. ينتمي إقبال إلى سلالة وثنية كريمة الأصل عريقة المنبت كانت تعيش في كشمير، وتدين ( بالبرهمية)، وتنتسب إلى الجنس ( الآري). فللبراهمة لواء العظمة والعزة والفخار في الهند حينذاك، فأمرها مطاع، وكلامها نافذ، وهي صاحبة السلطة والحكم. كان شاعرنا لا يفخر بأصله البرهمي وقد شطحت بعض الأقلام حين تصورت أنه يفخر، وينافح دون المذهب البرهمي. بل أنه كان على العكس من ذلك يفتخر ويعتز بالإسلام الحنيف لا غير”.

وايضاً ورد في بعض ما ذكره الدكتور حميد مجيد هدو تحت عنوان فرعي ( أسرة إقبال تعتنق الإسلام):

– ” لإسلام هذه الأسرة قصة نذكرها هنا للوقوف على عظمة ومكانة هذه الأسرة العريقة. ذكرنا أن آباء هذه الأسرة وأجدادها كانوا يدينون بالبرهمية كعقيدة لهم ولم يكونوا يعرفون من الإسلام شيئاً فشاءت الصدف أن يتصل الشيخ ( شاه همداني)- وهو أحد شيوخ الصوفية المسلمين في كشمير- بأحد أجداد إقبال وتكون بينهم صلات وثيقة ممّا حمل الشيخ الصوفي على إقناع زميله بالدخول إلى حظيرة الإسلام ونبذ البرهمية فراح يغذيه بالمبادئ المحمدية فاستهوت البرهمي تلكم المبادئ الإنسانية والآراء الحيّة، ففكر البرهمي وتأمل ملياً؛ وتباشير الهداية أخذت تلوح وتبدو واضحة بينة على محياه، فأخذت المبادئ الإسلامية تحتل مكان الأفكار البرهمية وتزيلها من مواقع قلبه”.

وفي عنوان فرعي في الكتاب ( مفهوم الفقر عند إقبال) ورد في جزء منه:

– ” وهكذا يستمر في التحدث عن أحوال العرب في عصورهم الأولى وكيف أخضعوا الأمم والإمبرطوريات العظيمة وجعلوها تحت سيطرة حكمهم وما كان يتم لهم ذلك لولا غناهم الروحي المتمثل في صلابة عقيدتهم وقوة عزيمتهم ولولاه لما تمكنوا من السيطرة على دولَتَي الفرس والروم لأن العرب أضعف مادياً ولكنهم أغنى روحياً منهم ولأن الإسلام الذي آمنوا به أغنى نفوسهم وقوى عزيمتهم فحينذاك استطاعوا قيادة تلك الإمبراطورية الإسلامية الممتدة الأرجاء… المترامية الأطراف معجزات الفقر هي التاج والعرش، والفقر هو أمير الأمراء، والفقر هو ملك الملوك. ثم يواصل وصف فقرنا الروحي [ هنا القصد اقبال] فيقول:

فقرنا ليس برقص أو غناء ليس سكر النفس في موت الرجاء

فقرنا معناه تيسير الجهود فقرنا معناه تسخير الوجود

فقرنا العادي سراج لو ظهر يخجل الشمس ويزرى بالقمر

إنه إيمـان ( بدر) و ( حنين) أنه زلزال تكبير ( الحسين)

صاح دعني أكتم الهم الدفين إن كأسي ليس يروي العابثين

من تکن همته نسج الحصير فهو لا يعلم ما نسج الحرير

فليكن ( يوسف) للذئب طعاماً ثم لا يصبح للضيم غلاماً

ليس للشيطان فينا مطلب لا ولا للص فينا مأرب

فكنوز الدين قد طارت شعاعاً وتراث المال قد أمسى ضياعا

منزل الشاهين في أوج السحاب ماله يسكن في وكر الغراب

لم يزل في الروض ظل وثمر فالتمس عشك في أعلى الشجر

حينما آمنت بالله الأحد لم أذل النفس يوماً لأحد

إن أكن في صورة النمل خفاء لست أرجو من ( سليمان) عطاء

يا غريباً عن مقام ( المصطفى) عُد إلى الحـق تجـد نـور الصفـا

هكذا كان إقبال سيفاً مسلطاً على رقاب الإقطاعيين والرأسماليين مدافعاً عن حقوق الفقراء العادلة.. معالجاً الفقر بشتى صوره وأشكاله… الفقر المادي والروحي”.

قد يعجبك ايضا