العلاقة بين بغداد وأربيل: بين حسابات السياسة واستحقاقات الشراكة الوطنية

مهند محمود شوقي

تعد العلاقة بين بغداد وأربيل واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، حيث تجمع بين الأبعاد الدستورية والمصالح السياسية والاقتصادية، وسط بيئة محلية وإقليمية مليئة بالتحديات. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على تأسيس النظام الفيدرالي، لا تزال العلاقة بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان تتسم بالتذبذب بين التفاهمات المؤقتة والتوترات المستمرة.

خلفية دستورية معقدة
منذ عام 2005، شكّل الدستور العراقي إطارًا قانونيًا ينظم العلاقة بين بغداد وأربيل، حيث نص على الفيدرالية كطريق للحكم المشترك بين المركز والإقليم. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه النصوص الدستورية ظل دائمًا محل خلاف. الخلافات الأساسية تتمحور حول إدارة الموارد الطبيعية، خصوصًا النفط والغاز، وتوزيع الإيرادات، بالإضافة إلى قضية المناطق المتنازع عليها مثل كركوك. تتباين التفسيرات حول دور الإقليم في إدارة موارده، ما يخلق أزمات مستمرة مع الحكومة المركزية.

التحديات الاقتصادية والمالية
واحدة من أبرز النقاط التي تصدُر عنها الأزمات المتكررة بين بغداد وأربيل هي قضية الموازنة العامة. ففي حين تتجه الحكومة الاتحادية إلى فرض شروط على إقليم كردستان لتسليم عائدات النفط كشرط لإرسال الموازنة، يرى الإقليم أن هذه الممارسات تمثل تقليصًا لحقوقه الدستورية. الرواتب هي نقطة التوتر الأكثر تأثيرًا، حيث تتأخر بشكل مستمر، ما يؤثر سلبًا على حياة الموظفين في الإقليم ويعكس التحديات في تحقيق التفاهم المالي المستدام.

التفاهمات الحالية: هل هي بداية تحول؟
في الأشهر الأخيرة، شهدت العلاقة بين بغداد وأربيل بعض التهدئة، تمثلت في توقيع اتفاقات مالية مؤقتة، والاتفاق على تسوية بعض الملفات الاقتصادية. كما أن الحوار السياسي بين الطرفين الأساس بات أكثر انفتاحًا، حيث سعت بعض الأطراف السياسية إلى إعادة رسم أفق التعاون. ومع ذلك، تظل هذه التفاهمات هشّة، كونها تفتقر إلى إطار قانوني دائم يحكم التفاهمات المالية والاقتصادية بشكل أكثر استقرارًا.

متطلبات بناء الثقة
إن الطريق نحو استقرار العلاقة بين بغداد وأربيل يتطلب إحداث تغييرات جوهرية على الأرض، من بينها:

*إقرار قانون النفط والغاز بشكل يعكس توزيعًا عادلًا للثروات ويضمن الشفافية.

*تعزيز الحوار المؤسساتي بعيدًا عن الحلول المؤقتة أو المفاوضات المعلبة.

*احترام الدستور كمرجعية ضابطة للعلاقة بين الطرفين، وتفادي الانتقائية في تطبيقه.

*إشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ الاتفاقات وتنظيم العمليات السياسية.

*شراكة حقيقية أم إدارة مؤقتة للأزمات؟

رغم التقدم البطيء في بعض جوانب العلاقة بين بغداد وأربيل، تبقى الحقيقة أن العلاقة تتراوح بين مراحل من التعاون والتوتر، وتظل هناك حاجة ملحة لبناء شراكة حقيقية بعيدة عن المناورات السياسية الضيقة. إن استقرار العراق كدولة موحدة يتطلب حلًا جادًا ومستدامًا للخلافات بين المركز والإقليم، وتأسيس نظام سياسي واقتصادي يعكس حقوق جميع مكونات الشعب العراقي وإقليم كردستان كجزء أساس من النظام الفيدرالي الذي بني عليه العراق الجديد .

الفرصة سانحة الآن لإنهاء حالة الجمود، ولكن هل سيستمر الطرفان في التوصل إلى تفاهمات حقيقية تبني الثقة، أم أن الوضع الحالي سيبقى مجرد إدارة مؤقتة للأزمات؟

قد يعجبك ايضا