شريف علي
وسط الاضطرابات والصراعات التي تغرق المنطقة ، تبرز كوردستان كأنها استثناء نادر، نموذج ملفت لانظار المراقبين وملهما للآمال. اذ ليس من السهل الحديث عن الاستقرار والتعايش في الشرق الأوسط دون أن تتجه الأنظار نحو هذا الإقليم الكوردي، الذي نجح، رغم كل التحديات، في تقديم صورة مختلفة عن الجوار الاقليمي ، مجتمع يتقبل الآخر، كون الشعب الكوردي جزءًا أساسيا ولا يتجزأ من نسيج هذه المنطقة، وعلى الرغم من التجزئة السياسية التي فرضتها خرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى لكن بدأت ملامح كيان كوردي يتشكل شيئًا فشيئًا، وصولًا إلى ما نعرفه اليوم بإقليم كوردستان – مساحة من الأرض والحرية، صنعتها الإرادة والإيمان بالحق في ظل قيادة تضع مصالح الناس أولًا، وسياسة مبنية على الاعتدال والانفتاح.
فالتعايش السلمي في كوردستان واقع لا شعار وما يميز كوردستان اليوم ليس فقط مؤسساتها أو بنيتها التحتية، بل روحها. فهنا، لا يُنظر إلى التنوع باعتباره تهديدًا، بل كنقطة قوة وغنى. في مدن وقصبات كوردستان عندما تجد الكنيسة بجوار الجامع والمعبد ، واللغات واللهجات تتمازج في الأسواق والمدارس. وعندما فتحت كوردستان أبوابها لضحايا الإرهاب والتهجير، واحتضنتهم بكرم وشهامة دون إي تمييز. هذا لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة سياسة واضحة اتخذها الإقليم، تقوم على احترام الإنسان، أيا كانت ديانته أو قوميته. لقد أثبت الكورد، من خلال تجربتهم في إدارة شؤونهم التي لم تكن هبة من أحد، بل ثمرة عقود طويلة من الكفاح، والدفاع المستميت عن الوجود.، أنهم قادرون على بناء نموذج مدني وديمقراطي، حتى في ظل أزمات المنطقة. وفي هذا الإطار، تبرز شخصية الرئيس مسعود بارزاني، ليس فقط كقائد سياسي، بل كأب روحي لتجربة كوردية ناضجة.
فالرئيس مسعود بارزاني – القائد الحاضر في الوجدان الذي لا يمكن تجاوز اسمه عند الحديث عن أي جزء من كوردستان فهو لم يكن مجرد رئيس، بل صانع مرحلة ومؤسس رؤية. منذ أن تسلم راية الحزب الديمقراطي الكوردستاني خلفًا لوالده الراحل مصطفى بارزاني، حمل هموم شعبه على كتفيه، وسعى بحكمة إلى بناء جسور الحوار مع بغداد والعواصم الإقليمية. في عهده، تحولت مدن كوردستان إلى مراكز جذب للاستثمار والسياحة. كما كانت له مواقف حاسمة في مواجهة خطر داعش، حين وقف في الخطوط الأمامية مدافعًا عن كل العراقيين، لا فقط عن الكورد.أما استفتاء عام 2017، فقد كان تعبيرًا نابعًا من القلب الكوردي، عن رغبة حقيقية في تقرير المصير. وبرغم ما تبعه من تحديات، أظهر بارزاني شجاعة سياسية نادرة حين فضّل الحوار على الصدام ليس بين هولير وبغداد فحسب بل رسالة الى العواصم الاقليمية في تعاطيها مع قضية الشعب الكوردي ، واضعًا مصلحة شعبه في كوردستان وفي الشتات فوق كل اعتبار.وهذا ما ظهر جليا في رسائله الى المحتفلين باعياد نوروز هذا العام في كوردستان والعالم ،وتوجها بمساعيه لحل القضية الكوردية سلميا في تركيا ، ولرأب الصدع الكوردي العالق في غرب كوردستان والتوصل لعقد كونفرانس وحدة الصف والموقف الكوردي في غرب كوردستان الذي يجتاز مرحلة مصيرية في غاية الدقة .
كوردستان لم تعد فقط اسمًا على الخارطة ولم تعد قضية داخلية لدولة معينة ، بل قصة كتبت فصولها بدماء الشهداء، وعزيمة القادة، وصبر الناس. إنها دليل حي على أن التعايش ليس حلمًا مستحيلًا، بل خيارًا ممكنًا عندما تتوفر الإرادة. تجربة كوردستان، بقيادة بارزاني، تقدم نموذجًا ملهمًا يمكن البناء عليه في باقي أجزاء المنطقة.و في زمن يحتاج فيه الشرق الأوسط إلى بصيص أمل، تأتي كوردستان لتقول: نعم، يمكننا أن نحيا معًا، بسلام، وكرامة. وهذا ما أورده المفتش العام لعملية العزم الصلب ( ( OIRفي تقريره الربع سنوي الذي يغطي الفترة من كانون الثاني الى آذار من عام 2025 والمقدم الى الكونغرس الامريكي ” إقليم كوردستان ركيزة استقرار وشريك محوري وسط اضطرابات المنطقة ”