جلال عباس
لم أعد أعرف أيَّ موجٍ غريبِ النوايا، فأسبح في عينيه كلما صفَت النيّة. أرقبُ الصخورَ وهي تُسجِّل الرحلة، تُسجّلها خُطىً بلا أقدام. النوارسُ تُسكت الضجيج بأجنحتها، ستارةُ الغيم تُظلّل مجموعةً هائلةً من السفن، وعليّ أن أعدّها على الرادار برؤيةٍ تُشبه قلقَ البحر وتعبَ البحّارة. يصنعون بخيوطِ عضلاتهم نُسخًا احتياطيةً من الحبال، وأنا أحتسي القهوة، أعدو بالفنجان للحاقٍ بنشرة الأنواء الجوية، لأُعبّر عن امتناني لدقّتها، وأستعير منها غفوة أُضيفها إلى رأسي. أحلم بسرير غرفة نومي على اليابسة، ثم أنهض بانتباهي المُطلق، أفكر بطريقةٍ جديدةٍ للإبحار في عالمَين بينهما شاطئ؛ أحدُهما أرتقي فيه شجرةَ صفصافٍ قرب السيّاب، أنادي بمكبّرةِ صوتِ الصاري: “الشمس أجمل في بلادي”، أُطلق سراح صدى الصوت من بويب، يتخلّل بساتينَ أبي الخصيب. أيها الرُّبّان، دعْ أحلامك تُبحر بنا صوبَ حفلةِ زفاف لعروسِ بحر تُقيمها مجموعةٌ من الدلافين الفتيّة، كتبتْ أغانيها على أشرعتنا البيضاء، يردّدها كناريٌّ في أوج الرحلة، يطوف بأرواحِ البحّارةِ الشفّافة بخِفّةٍ متناهية. رغم قيود السفينة، الأرواح حرّة… إلى أن نصلَ أقربَ مرفأ، جنى منّا متعةَ اللقاء.