المحافظة على النظام العام في عملية توقيف المتهم

الاستاذ المساعد الدكتور
فكري عزيز حمد السورجي

إن أهم المبررات العملية للتوقيف تتمثل في المحافظة على النظام العام، بإعتبار أن الحبس الإحتياطي تدبير وقاية وإحتراز، ذلك أن توقيف المتهم يكون مانعاً له من العودة إلى إرتكاب جرائم جديدة هذا من جهة، وإرضاء للشعور العام الثائر بسبب الإضطراب الذي أحدثته الجريمة من جهة أخرى انتظاراً للإرضاء الذي تأتي به العقوبة فيما بعد، وبالرغم من هذا المبرر إلا إن الباحث يؤكد على أنه يجب أن يكون في أضيق الحدود لما ينطوي عليه هذا الإجراء من مساس مباشر وجسيم بقرينة البراءة، والطابع الاستثنائي لهذا الإجراء والضمانات التي تحيطه أمر لازم لتأكيد هذه القرينة وعدم هدمها.

المحافظة على أدلـة الجريمة
أن التوقيف وكونه إجراء تحقيق يجعل المتهم دائماً في متناول يد المحقق، فيمكنه في أي وقت من إستجوابه ومواجهته بالشهود، الأمر الذي يؤدي إلى إنجاز الاجراءات الجنائية والوصول إلى الحقيقة بأسرع وقت، وكونه إجراء أمن فإن به منعاً لتأثير المتهم على الأشخاص والشهود والأشياء بما يحول دون ظهور الحقيقة، كما إن توقيفه يمنع المتهم من إخفاء أو تلفيق الأدلة.
حماية المتهم: إن التوقيف يمثل ضمانة وحماية للمتهم نفسه وخاصة في اللحظات الأولى من وقوع الجريمة، ويحول دون تعريض حياته للخطر أو الإعتداء من قبل المجني عليه أو عائلته أو حتى عموم المجتمع الذي أثار حفيظته وقوع الجريمة، فقد يكون هذا المتهم محلاً للإنتقام أو الثأر.
في هذا الإطار لا يتفق الباحث ووجهة النظر هذه، لا بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويعتبر أن المناداة بهذه الحجة خرقاً للقانون وقلباً للحقائق التي يسعى القانون لإظهارها على إعتبار أن المحافظة على الأمن والنظام العام وحماية المتهم كونه إنسان قبل أن يكون متهماً وهو جزء من هذا المجتمع هو من إختصاص الدولة والسلطات العامة ولا يمكن تصور حماية الفرد من خلال حبسه، ذلك إن اللجوء لهذا الإسلوب دلالة على ضعف السلطات العامة وهذه إشكالية يجب أن لا يدفع ثمنها الأبرياء والضعفاء، وأن لا تكون على حساب حرياتهم، وإلا أصبحت الضحية بالسجن والجاني يحميه القانون وهذا ما لا يتفق والمنطق القانوني إطلاقاً.
أن مجموع هذه التبريرات لا محل لها بقانون الاجراءات الجزائية إلا في حالة وجود ضرورة للتحقيق تجعل التوقيف ضرورياً، وما هي إلا أراء فقهية أخذت القوة بالتطبيق العملي بالرغم من عدم النص على أي منها بالقانون، فنجد أن الواقع يذهب على خلاف القانون حيث أن النيابة العامة وهي الجهة المؤتمنة على تطبيق نصوص قانون الاجراءات الجزائية وفيما يتعلق بالتوقيف وهو محل الدراسة تعتمد على هذه المبررات لتوقيف المتهمين وهذه إشكالية، وتكون الإشكالية أكبر إذا ما علمنا أن حتى القضاء يتفق معها في هذا الشأن وهذا التطبيق العملي يمثل إنتقاص لحقوق وضمانات المتهم التي كفلها له الدستور والقانون على حد سواء.

قد يعجبك ايضا