بغداد بين استضافة القمة العربية وتحديات الداخل

د.حمدي سنجاري

تشهد العاصمة العراقية بغداد في هذه الأيام نهضةً تجميليةً واسعةَ النطاق، استعداداً لاستضافة القمة العربية المرتقبة، حيث رُصدت مبالغ مالية ضخمة لتنظيف وتجميل أرجاء المدينة التي ستستقبل قادة الدول العربية. وتأتي هذه القمة في ظرف إقليمي ودولي بالغ الحساسية، مما يجعلها محطَّ أنظار المراقبين والمحللين السياسيين على الصعيدين المحلي والإقليمي.

من الضروري أن يستعيد العراق مكانتَه المرموقة في المحافل الدولية، وأن يعود بقوة إلى الساحة الإقليمية والعالمية. فالعراق، بحكم تاريخه العريق وموقعه الاستراتيجي وموارده الطبيعية الهائلة، دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي يؤهلها لأن تكون لاعباً رئيسياً ومؤثراً في المنطقة والعالم. واستضافة القمة العربية تعد خطوة مهمة على طريق استعادة هذا الدور المحوري.

لا شك أنَّ العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، بحاجة ماسة إلى مثل هذه اللقاءات القيادية والحوارات الدبلوماسية الرفيعة المستوى في ظل التحديات الراهنة. غير أنَّ التساؤل المشروع الذي يفرض نفسه: ما المخرجات المتوقعة من هذه القمة؟ وما المكاسب التي سيجنيها العراق من استضافتها؟ خاصة في ظل احتمالية غياب بعض القادة العرب لأسباب متنوعة قد تكون سياسية أو قضائية أو أمنية.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل نجحت القيادة السياسية العراقية في معالجة المشكلات الداخلية المزمنة قبل الالتفات إلى استضافة حدث إقليمي بهذا الحجم؟ أليس من المنطقي والأجدر أن تنصبَّ الجهود أولاً على معالجة التحديات المحلية المستعصية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن العراقي؟

يواجه العراق اليوم مجموعة من التحديات الداخلية الملحة التي تتطلب معالجة سريعة وناجعة، منها؛ أزمة النفط في إقليم كردستان، فتوقف ضخُّ النفط من الإقليم يشكل أزمة اقتصادية خانقة تؤثر على موارد البلاد. كذلك مشكلة العملة والنظام المصرفي، تعاني العملة العراقية من تقلبات حادة، فضلاً عن المشكلات التي تواجه المصارف العراقية التي ينعكس أثرها سلباً على المواطنين والتجار على حد سواء. ورواتب موظفي إقليم كردستان، تمثل مشكلة مستمرة منذ سنوات دون حل جذري، مما يؤثر على آلاف العائلات العراقية.

أزمة الكهرباء المزمنة، لا يزال العراق، رغم كونه من أغنى دول المنطقة بالموارد الطبيعية، يعاني من نقص حاد في إمدادات الكهرباء. وعلى الرغم من امتلاك البلاد احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، فإن هذا المورد الثمين يُهدر حرقاً في الهواء دون استثماره بشكل صحيح في تشغيل محطات الكهرباء وتلبية احتياجات المواطنين.

إن الاتفاق والوحدة على الصعيد الداخلي يمثلان الركيزة الأساسية لأي تحرك خارجي ناجح. فكيف يمكن للعراق حماية نفسه من الأطماع الخارجية في ظل انقسامات داخلية عميقة؟ القوة الحقيقية تكمن في وحدة الصف وتوحيد القرار السياسي والاستراتيجي والاقتصادي.

عندما يتحقق الاتفاق الداخلي، وتنصهر الرؤى في بوتقة المصلحة الوطنية العليا، وتتوحد الجهود لخدمة المواطن العراقي الذي يعد المستفيد الأول والمتضرر الأول من أي قرار سياسي، حينها فقط يمكن للعراق أن يستقبل قادة الدول الأخرى بقوة وثقة، مستنداً إلى قاعدة صلبة من الوحدة الداخلية والاستقرار السياسي والاقتصادي.

من الأهمية الآن أن تبادر الحكومة الاتحادية، قبل انعقاد القمة العربية، إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل وموسع، تشارك فيه جميع القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة، بهدف معالجة المشكلات الداخلية العالقة وإيجاد الحلول الناجعة لها في أسرع وقت ممكن.

إن نجاح القمة العربية مرهون بنجاح الحوار الوطني الداخلي. فالقوة في استضافة مثل هذه المؤتمرات الإقليمية لا تكمن في المظاهر الخارجية والإنفاق الباذخ على التجميل والترتيبات اللوجيستية فحسب، بل في قدرة البلد المضيف على تقديم نموذج ناجح للاستقرار والوحدة الداخلية وتحقيق طموحات شعبه ومواطنيه.

ولعل الدرس المستفاد هنا أن الإصلاح يبدأ من الداخل قبل أن يمتد إلى الخارج، وأن حل المشكلات المحلية هو المدخل الطبيعي لمعالجة القضايا الإقليمية والدولية.

قد يعجبك ايضا