مصطفى حسين الفيلي – مخرج سينمائي
في فيلمه “أناشيد آدم”، يقدّم المخرج العراقي عدي رشيد قراءة بصرية مؤثرة لطفولة معلقة بين الركام. لا يحاول الفيلم أن يسرد قصة مكتملة الأركان، بقدر ما يغوص في تجربة شعورية مكثفة، حيث يصبح الصوت واللون والفراغ أبطالًا حقيقيين.
آدم، الطفل الصغير، لا يتخذ موقع الضحية التقليدية. لا بكاءً ولا شكاوى. بل يكتفي بالإنشاد بصوت خافت، وكأنه يحاور ذاكرة مدينة منهكة تحاول الاحتفاظ بآخر ما تبقى من إنسانيتها.
تتبع الكاميرا خطوات آدم بتردد مدروس، تقترب حينًا وتنسحب حينًا آخر، محافظةً على إيقاع بصري يشبه تنفس مدينة شبه ميتة. الألوان الغالبة رمادية، مشبعة بالغبار، وكأن الفيلم كله مغطى بطبقة رقيقة من الحزن. الأصوات الطبيعية، من رياح وزخات رصاص وصرخات بعيدة، تحل محل الحوار، مما يعمق الإحساس بالفراغ والعزلة.
ما يميز “أناشيد آدم” هو بساطته العميقة. و الفيلم لا يتناول الحرب بشكل مباشر، بل يركّز على الذاكرة الهشة التي يحاول الإنسان، حتى في أقسى الظروف، أن يحافظ عليها. وبين أنقاض المدن وأصوات الخراب، تظل أناشيد آدم بمثابة خيط رفيع من الأمل، يربط الحاضر بالماضي، وينذر بإمكانية حياة جديدة رغم كل شيء.
“أناشيد آدم” عمل سينمائي يقف عند تخوم الشعر والفن، ويقدم تجربة صادقة ونادرة في زمن طغت فيه الحكايات المصطنعة.