د. إبراهيم أحمد سمو
في التاسع والعشرين من نيسان عام 1967، انطلقت جريدة (التآخي)من قلب بغداد، حاملة رسالة كوردستان إلى العرب والعالم، في مرحلة كانت فيها الحاجة ماسة لوجود منبر يعبر عن تطلعات الشعب الكوردي وهمومه، بلغة تجمع ولا تفرق. جاءت ولادة (التآخي) عقب اتفاقية 29 حزيران 1966 بين الحكومة العراقية والحركة الكوردية المسلحة، والتي أتاحت إصدار صحف سياسية باللغة العربية، فكان اختيار قيادة الثورة الكوردية لاسم (التآخي) رمزًا لمعاني الأخوة الحقيقية بين العرب والكورد.
منذ صدورها، لم تكن (التآخي) مجرد صحيفة، بل كانت صوتًا حرًا، جسّد بجرأة مطالب الشعب الكوردي، وانفتح بذات القوة على هموم العراق عامة. جذبت أقلاماً من مختلف الاتجاهات والانتماءات الفكرية والسياسية، مما جعلها منبرًا وطنيًا عراقيًا بامتياز. وعلى الرغم من التضييق والرقابة الحكومية، ظل صوت (التآخي) مرتفعًا حتى اضطر إلى التوقف عن الصدور في 12 آذار 1974 بسبب توتر العلاقات بين قيادة الثورة الكوردية والنظام العراقي
محطات بارزة في مسيرة (التآخي)
مرت (التآخي) بثلاث مراحل رئيسية، ارتبطت بتطورات الواقعين الكوردي والعراقي:
• المرحلة الأولى (1967-1969): مرحلة التأسيس وترسيخ الهوية، حيث تصدرت شخصيات سياسية وثقافية مرموقة المشهد التحريري. كانت الصحيفة ملتزمة بنهج وطني ينقل معاناة الشعب الكوردي ويطرح الحلول بلغة عقلانية حوارية.
• المرحلة الثانية (1970-1974): مرحلة الازدهار، تزامنت مع إعلان بيان 11 آذار 1970 الذي اعترف بالحقوق القومية للكورد. عكست (التآخي) روح تلك المرحلة، حيث ازدادت حريتها الصحفية، وتنوعت مواضيعها بين السياسة والأدب والثقافة والرياضة، حتى أصبحت لسان حال كوردستان :
• المرحلة الثالثة (2003-2014): بعد سقوط النظام السابق، عادت (التآخي) إلى الظهور مجددًا وسط تحولات عميقة في الساحة العراقية. استمرت حتى تعرضت لهجوم إرهابي في 14 تموز 2014، ما أدى إلى توقفها مؤقتًا، لكنها بقيت حاضرة عبر النسخة الإلكترونية.
وعبر هذه المراحل الثلاث، كانت (التآخي) سلاحًا فكريًا لا يقل أهمية عن البندقية في الدفاع عن الحقوق الكوردية المشروعة. نشرت أفكار الثورة الكوردية، وأوصلت صوت الحرية ليس للكورد وحدهم بل لكل المظلومين في العراق.
رموز صنعت مجد (التآخي)
لا يمكن الحديث عن تاريخ (التآخي) دون استذكار رمزين بارزين من شهدائها:
• صالح اليوسفي
• دارا توفيق
هذان الاسمان الكبيران دفعا حياتهما ثمنًا للكلمة الحرة والموقف الوطني النبيل. في عهدهما، شهدت الصحيفة أوج ازدهارها، وارتفعت مكانتها كصوت ناطق باسم الحقوق الكوردية في بغداد.
(التآخي) …منبر التعدد والوعي
لم تكن (التآخي) صحيفة قومية مغلقة، بل اتسعت منذ البداية لاحتواء كل أطياف العراق، وركزت على نشر الثقافة السياسية الحديثة إلى جانب الأدب والفن والرياضة. كانت بحق مدرسةً للوعي السياسي، تبنت خطابًا عقلانيًا راقيًا، وساهمت في خلق جسر ثقافي متين بين العرب والكورد.
ومن خلال صفحاتها، لم تقتصر مهمتها على نقل أخبار كوردستان، بل ساهمت في ترسيخ الوعي الكوردي وتعزيز الهوية الوطنية العراقية الجامعة، مؤكدة أن الكورد جزء أصيل من نسيج العراق الفيدرالي الجديد.
التحديات الراهنة وآفاق المستقبل
اليوم، مع التطور التكنولوجي المتسارع، تواجه (التآخي) تحديات جديدة تتطلب تحديث أدواتها وأساليبها الإعلامية. استمرارها في الصدور الإلكتروني خطوة مهمة، لكنها غير كافية في ظل الحاجة الملحة إلى:
• إعادة إصدار النسخة الورقية، لما لها من تأثير عميق ودائم.
• توسيع شبكة المراسلين المحليين والدوليين لضمان تغطية أشمل.
• تطوير أقسام التصميم والتصوير بما يتلاءم مع معايير الصحافة الحديثة.
• إنشاء وكالة أنباء مستقلة تحت مسمى “التآخي نيوز”، لتكون ذراعًا إعلاميًا فاعلًا يدعم صوت كوردستان في المحافل العربية والدولية.
كما أن إصدار نسخ بلغات أخرى، كالإنجليزية والتركية والفارسية، سيعزز من مكانة الصحيفة على مستوى إقليمي ودولي، ويفتح لها آفاقًا جديدة للتأثير والحضور.
كلمة وفاء في ذكرى التأسيس
في الذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقتها، لا يسعنا إلا أن ننحني تقديرًا لكل من أسهم في بناء (التآخي) حجراً فوق حجر، من رؤساء تحرير وهيئات تحريرية، إلى كتّاب ومراسلين ومصممين.
لقد جسدت (التآخي) حلم أجيال من الكورد والعراقيين، وكانت صوتًا للحرية في زمن القمع، ومنبرًا للوئام في زمن الانقسام.
نأمل أن تستمر (التآخي) في مسيرتها المضيئة، أكثر إشراقًا وتأثيرًا، لتبقى شاهدًا على نضال أمة، وصوتًا صادقًا يعبر عن هموم وآمال الشعب الكوردي والعراقي على حد سواء.
تحية وفاء لـ(التآخي) ….من جيل إلى جيل، تبقين نبراسًا للكلمة الحرة والنضال الشريف