الكورد و اللغة العربية

شيركو حبيب

كتب الأستاذ الفاضل محمد سلماوي في زاوية “جرة قلم” ثلاث مقالات عن كوردستان بعنوان (العربية في كردستان)، على صفحات جريدة الأهرام الغراء العدد ٥٠٥٣٣ والأعداد المتتالية ليوم ١٤ و ١٥ و ١٦ أبريل ٢٠٢٥.
في البداية، شكرا للأستاذ سلماوي، و لي بعض الملاحظات على ما كتبه حول اللغة العربية في كردستان.

لا يخفى على أحد أن اللغة العربية هي لغة رسمية في كردستان كما جاء في الدستور العراقي عام ٢٠٠٥، و اللغة الكوردية أيضا لغة رسمية و لغة الخطابات في مناطق الأكثرية الكوردية، بجانب اللغة العربية، حيث أقر الدستور ذلك و بدراسة اللغة الكوردية في المناطق العربية.
نعم اللغة العربية أكثر انتشارا بين الجيل السابق مقارنة بالجيل الحالي، ومع ذلك هناك الكثير من الشباب يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، ربما كان حظ الأستاذ سلماوي أن التقى ببعض الشباب ممن لايجدون العربية بطلاقة، والكثير من الشباب يتحدثونها بطلاقة حيث يؤدون الصلاة و يقرؤن القرآن الكريم، وفي المدارس هناك دروس باللغة العربية الى جانب اللغة الكوردية، واللغات الأخرى كالإنجليزية و الألمانية و الفرنسية، وكثيرون من الجيل الحالي يتحدثون هذه اللغات.
أما لو قارنا هذا الجيل مع الجيل السابق، فكان النظام السابق يمنع الدراسة في كوردستان باللغة الكوردية ماعد حصة أو حصتين في الأسبوع، و بقية المواد كانت تدرس باللغة العربية مع اللغة الإنجليزية ثلاث حصص في الأسبوع، وهكذا حرم الشعب الكوردي من التعلم بلغته وهو أبسط الحقوق، وهذا سبب تعلم اللغة العربية أو تهجير الكورد أو نقل الموظفين إلى جنوب العراق، وأنا كنت واحداً منهم عندما نقل والدي بوظيفته إلى الجنوب، فدخلت المدرسة لأول مرة في مدينة النجف الأشرف، وبعد الانتفاضة الربيعية وكرد فعل بدأ الشباب الاهتمام باللغة الأم، ولكن لم ينسوا اللغة العربية.

أما القول بأن الكورد كانوا يتحدثوا فيما بينهم باللغة العربية فهذا لم يحدث مطلقا، وكما الآن مثلا التركمان يتحدثون بلغتهم التركمانية فيما بينهم، الآشوريون و السريان و الكلدان يتحدثون بلغتهم فيما بينهم بكل حرية أيضا، أما الاختلاف بين كورد تركيا و العراق و إيران فتراه في اللهجات و ليس اللغة، كذلك السورانية و البهدينانية، هذه لهجات وليست لغة وانما اللغة واحدة كما في اللغة العربية، فهناك في العراق اللهجة الموصلاوية و البغدادية و البصراوية …إلخ.

إن تعلم اللغة العربية بالنسبة للكورد في العراق ضروري لأننا نعيش في بلد الأغلبية هم عرب و لنا علاقات تجارية و ثقافية و اجتماعية وليس شرطا الكوردي العراقي ان يتعلم اللغة العربية لان العراق يقع ضمن خارطة الوطن العربي و الاكثرية عربية فللكورد لغتهم الخاصة وحسب الدستور العراقي يجب تدريس اللغة الكوردية في جميع مناطق العراق، كما كورد تركيا و إيران يتحدثون التركية و الفارسية، أما الحديث عن الذين لا يتحدثون غير الكوردية، فعلى العكس، الكثير من الجيل الحالي يتحدثون الإنجليزية إضافة إلى لغة أخرى كالفرنسية أو الألمانية بطلاقة.

أستاذ سلماوي العزيز: لا تتهمنا نحن الشعب الكوردي لأننا منذ عقود حرم علينا الحديث والتعليم بلغتنا الأم، و حتى الأسماء الكوردية كانت ممنوعة و محرمة لنسمي بها أبناءنا، ولا تنظر إلى الأمور مثلما الحال في مصر حيث جميع القوميات والأعراق لها نفس الواجبات وعليها ذات الحقوق دون تفرقة، فقد عشنا عقودا من الظلم و التعسف، ونظن أنك “سيد العارفين” بالجرائم التي ارتكبت ضدنا.

أما الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، فقليل من أهل الضاد يتحدثون أو يكتبون باللغة العربية مثله، و كذلك لغته الكوردية.
لقد أضاءت أربيل بزيارتكم، و شكرا على مقالكم و نقدكم، دون تعصب، ولكن هل تسمح لي بسؤال: كم عربي من أهالي كوردستان تعلم اللغة الكوردية؟. تحياتي لشخصكم وأتمنى أن تزور أربيل مرات أخرى وتلتقي بأناس يجيدون العربية، أما بشأن تلك الأراضي العربية في مقالك الثاني يوم ١٥ أبريل، فكردستان لم تكن أرضا عربية و لا الكورد اقوام استوطنتها، بل الكورد هم السكان الأصليون لهذه البقعة من الأرض، و”كردستان” تعني موطن الكورد، وقد وضعتم في هذا المقال النقاط فوق الحروف بشأن أسباب عدم تحدث الجيل الحالي العربية، بطلاقة وأتصور أن الزعيم مسعود بارزاني قد أشار إلى الأسباب، ونحن نثمن و نقدر دائما موقف مصر حكومة و شعبا تجاه العراق بصورة عامة وكردستان بصورة خاصة، ونسلك سبيل التسامح والتعايش دوما، لننعم بما تنعم به مصر من سلام ومحبة وإخاء بين شعبها كافة.

الكورد في مصر.. حقوق مستقرة يرجونها في أوطانهم

جاء “الاكراد والنموذج المصري” عنوانا لمقال ثالث للأستاذ محمد سلماوي في جريدة الأهرام الغراء ليوم ١٦ أبريل الجاري، متابعة لانطباعاته بعد زيارته إلى كردستان التي استهدفت المشاركة في معرض أربيل الدولي للكتاب، وخلالها استقبله الزعيم الكردي مسعود بارزاني ضمن وفد عربي.

طرح الأستاذ سلماوي سؤالا وجيها للغاية: لماذا الكورد في مصر لا يطالبون بحقوقهم كما في العراق و تركيا و سوريا؟.
وكما كتب، فالكورد، ونحن نقول “الكورد” لم يطالبوا بحقوقهم في مصر، لم يكن لهم فيها وجود إلا في عهد صلاح الدين الأيوبي، ولو قيل إن نفرتيتي كوردية الأصل، و الهجرات الكوردية إلى أم الدنيا كانت حاضرة خاصة زمن الدولة العثمانية، هربا من بطش النظام آنذاك، وكثير من المهاجرين كانوا من المثقفين و الأدباء و الشعراء كما ذكرت حضرتك حقا.

وقد تم إصدار أول صحيفة كوردية في القاهرة عام ١٨٩٨ من قبل مقداد مدحت بدرخان، و المخرج الكبير علي بدرخان كما ذكرت هو سليل هذه العائلة، و هؤلاء العوائل أصبحوا مصريين و تم منحهم الجنسية فصاروا مواطنين معززين مكرمين، ولم تفرق الحكومات المصرية بينهم و بين أي مواطن مصري، فتقلدوا المناصب و لم يتم ترحيلهم من مدينة أو منطقة إلى أخرى، بل هم أحرار يعيشون دون اضطهاد كالذي شهده الكورد على أرضهم قبل عقود حينما استخدمت ضدهم الغازات الكيماوية فتم تهجيرهم من مدنهم ودفنوا أحياء.

في مصر الآمنة المطمئنة، لم يرغم الكورد على تغيير أسمائهم لأسماء تطابق عرب الصحراء، بينما هم عندما يطالبون في الدول الأخرى بحقوقهم لم يكونوا جزءا من تلك الدول، بل كانت لهم منطقتهم التي سكنوا فيها منذ مهد البشرية، ولكن مصالح الدول الكبرى في سايكس – بيكو قد استدعت تقسيم وطنهم لتشتيت هذا العنصر النقي الذي خدم القضايا العربية والإسلامية ذاتها في العصور الوسطى والتاريخ الحديث أيضا، فألحقهم الاستعمار بسوريا و العراق وتركيا و إيران ليظهروا وكأنهم غرباء داخل حدود سياسية جديدة، هي في الأصل أرضهم، لكن عمليات الترسيم غيرت نظرة الأنظمة إليهم.

هذا يعني أن وجود الكورد داخل حدود الدولة العراقية المرسومة جاء دون إرادة الكورد ذاتهم، وعلى أرضهم، لتبدأ الأزمة ومعها نظرة الارتياب منذ العام ١٩٢٠، ومن ثم جرى ما جرى في العراق من جرائم ضدهم كانت مقترنة باتهامات واهية سخيفة، وفي تركيا كانوا يطلقون عليهم “أتراك الجبال”، و في سوريا عاشوا مواطنين من الدرجة الثانية ودون منحهم الجنسية، و في إيران لم يكن حالهم أفضل من أهلهم داخل حدود هذه الدول كافة، رغم أن كل مكان يعيشون فيه هو أرضهم بالأساس.
فهل تعرض الكورد لهذا في مصر رغم أنهم هاجروا إليها منذ قرون؟. هنا أصبح الكورد مواطنين مصريين من الدرجة الأولى، فمصر بلد يستوعب ويحتضن كل المسالمين، وحكوماته ترفظ الظلم، وهنا نجد المقارنات ظالمة، ففي في موطنهم الأصلي وعلى أرضهم أصبح الكورد مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، فحرموا من أبسط الحقوق حتى لغة الأم.

لقد عشت في مصر منذ سنوات لم أجد خلالها إلا الكرم والاعتزاز ومعاملة تليق بهذا الشعب وتاريخه، ولم أسمع عن تمييز بين مصري أصيل و كردي اكتسب الجنسية فزادته اعتزازا بحقوقه كمواطن فصار أشد أصالةً وانتماءً لهذا الوطن و هذه الأرض، فقط تمر عابرة كلمات إيضاحية عن عائلات من أصول كردية، وقد أصبحت مصرية، فكيف لنا أستاذ سلماوي أن نقارن بين ذوي الأصول الكوردية المكرمين في بلد هاجر إليه كمصر وأصبح فيه معززا مكرما، و بني جلدته في موطنهم الأصلي وهم في معاناة لا تنتهي، و بالضرورة لن تنتهي معها مطالبهم بحقوقهم الكاملة؟

إن فضل مصر على الكورد أكبر وأعظم من فضل مزعوم لحكومات بلدان يعيشون داخل حدودها السياسية على أراضيهم، وكل زعماء مصر عاشوا يقدرون الشعب الكوردي وحقوقهم نهاية بإشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إليها خلال مؤتمر الشباب عام ٢٠١٩، أو عودة إلى استقبال الرئيس جمال عبد الناصر للزعيم ملا مصطفى بارزاني في القاهرة أكتوبر ١٩٥٨ وتخصيصه ساعات بث للنشرات الكوردية عبر إذاعة صوت العرب، وفي حوارات بارزاني لصحف مصرية تعبيرات واضحة لرد الجميل من الكورد إلى مصر خلال العدوان الثلاثي عليها، كما في ابتعاد ناصر ورفضه أي اعتداء على الكورد اعتراف بأن فكرة القومية العربية القائمة على اللغة والثقافة المشتركة أساس بناء وحدة، هي ذاتها سبب تأكيده على حق الكورد في وطنهم الموحد قبل تدخل وتخطيط قوى الاستعمار الذي خلق هذا الوضع غير المستقر لحياتهم على أرضهم.

عاشت مصر حاضنة لكل الآمنين.. وعاش الكورد لها محبين عاشقين مطمئنين.

كاتب و صحفي من كردستان العراق

قد يعجبك ايضا