د.ليث طه احمد القيسي
يشترط المشرع لقيام الجريمة في بعض الاحوال ان يقف المجني عليه منها موقف الرفض ، أي ان يقع الفعل المكون لها على غير ارادته او دون رضاه ، وفي هذه الاحوال يكون عدم الرضا عنصراً في الجريمة .
وحيث ان الاكراه ينصب في تأثيره على الارادة وحريتها في الاختيار فانه يعتبر مظهراً من مظاهر انعدام الرضا باعتباره الوسيلة التي يلجأ اليها الجاني لاعدام رضا المجني عليه وبالتالي يكون له دور في تكوين الجريمة وبعض الجرائم التي تتميز باهمية خاصة لكثرة وقوعها وخطورتها، وتبررها ايضاً صعوبة الاحاطة بكل هذه الجرائم وكونها متشابهة في احكامها ونأخذ منها دور الشريعة الاسلامية والشرائع السماوية والوضعية اهتماماً بتنظيم الصلات الجنسية وتلبية رغبات الغريزة الجنسية عن طريق الزواج الطريق الطبيعي لتلبية نداء الغريزة ولخلق مجتمع قائم على اساس سليم متين وشريف . وكان موقف الشريعة الاسلامية حاسماً بتجريم كل صور العلاقات الجنسية غير المشروعة – خارج نطاق عقد الزواج – وشددت في العقاب عليها تطهيراً للفرد في ذاته وللمجتمع بشكل عام وارساء للقيم والفضائل الانسانية التي هي جوهر انسانية الانسان وحرصاً على الاخلاق العامة.
ويعتبر الاسلام العرض فرعاً عن النفس الانسانية ، وهو ما يمدح به الانسان ويذم وهو احدى الصفات الاساسية المعنوية للانسان والتي تميزه عن بقية الحيوانات لذلك حرص الاسلام عليه واعتبره من الضروريات وجاءت احكامه مستهدفة الحفاظ على العرض وحمايته في ذاته ونقائه.
لذلك تعاقب الشريعة الاسلامية على الزنا باعتباره ماساً بكيان الجماعة وسلامتها اذ انه اعتداء شديد على نظام الاسرة ، والاسرة هي الاساس الذي تقوم عليه الجماعة ولان في اباحة الزنا اشاعة للفاحشة وهذا يؤدي الى هدم الاسرة ثم الى فساد المجتمع وانحلاله والشريعة تحرص اشد الحرص على بقاء الجماعة متماسكة وقوية.
فالشريعة الاسلامية تتبنى المفهوم الاخلاقي للعرض اذ لا تعتد بدور للارادة في حماية العرض. بخلاف القانون الوضعي الذي يعتبر ان نقاء العرض وصيانته حق فردي قابل للتصرف ويعتبره من الامور الشخصية التي تمس علاقات الافراد ولا تمس مصلحة الجماعة وان المساس به لا يشكل اعتداء مادام عن تراض الا اذا كان احد الطرفين زوجاً ففي هذه الحالة يعاقب على الفعل صيانة لحرمة الزوجية.
فالجرائم التي تقع ضد الاخلاق في الشريعة الاسلامية يعاقب عليها ولو رضي بذلك المجني عليه ، فلا قيمة للرضا في هذه الجرائم ما دامت تمس ما لله من حق وهو مصلحة الجماعة وحفظ نظامها ،.
واذا كانت الشريعة الاسلامية لا تعتد بالارادة ودورها في نطاق جرائم الاعتداء على العرض وتعاقب على تحقق الوطء بعقوبة الزنا وعلى ما دونه بعقوبة تعزيرية ، فان وقوع الفعل بالاكراه لا يمنع من قيام جريمة الزنا الا ان العقوبة ترتفع عن المستكرهة او المستكره وفي ضوء امتناع المسؤولية.