حقوق الانسان في الوثائق الدستورية

 

 محمد كريم

ان فكرة اعلان (حقوق الانسان) التي تعتبر (اصلية وازلية) ومن ثم فهي تسبق اي تشريع وتحكمه ولو كان تشريعا ً دستوريا ً قد تبلورت خلال الثورة الامريكية على بريطانيا . وقد نص اعلان استقلال الولايات المتحدة في 6 يوليو 1776م على (( ان كل الرجال قد ولدتهم امهاتهم سواسية )) وتضمن الاعلان في صدره ذكر حقوق الانسان في المساواة والحرية والحياة والسعادة وتغيير الحكومات التي لا ترعى تلك الحقوق ))

وعلى اثر قيام الثورة الفرنسية صدر اعلان حقوق الانسان والمواطن في 14 اغسطس 1789م وتصدره العبارة الذائعة ( يولد الناس احرارا ً ومتساويين في الحقوق  ، وسادت مبادئ الاعلان الفرنسي المذكور آنفا ً الدساتير الفرنسية التالية وكثيرا ً من دساتير دول اوروبا الغربية الصادرة خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين .

وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت دساتير جديدة لبعض الدول الغربية ومنها فرنسا وايطاليا والمانيا الاتحادية وقد سبقتها اعلانات جديدة لحقوق الانسان او مقدمات للدساتير تتضمن هذه الحقوق ، واخذت تتجلى في تقرير حقوق الانسان النزعة الى تأثير الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الى جانب الحقوق السياسية والفكرية ، والى تأكيد النزعة الايجابية في تقرير حقوق الانسان ومسؤولية الدولة تجاهها ، فقد كان الاعلان الفرنسي عام 1789م مثلا ً يلزم الدولة بحدود لا تتعداها في مواجهة الفرد ضمانا ً لحريته فأصبح الاتجاه الى تخويل الفرد حقا ً يطالب به المجتمع ممثلا ً في الدولة حتى تؤدي ما ينبغي عليها من التزامات ازاء الافراد .

ونتيجة التطور الكبير في نظم الاتصالات والتبادل الاقتصادي والثقافي بين الافراد والدول تطورت فكرة حقوق الانسان ، بعقد المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تخص الاعتراف وحماية حقوق الانسان وتحديد الحقوق والحريات الاساسية بمواد قانونية ملزمة للأطراف الموقعة عليها ، مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م وغيرها  ، فاذا كان الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان والمواطن قد عبر عن الاهتمام المتزايد بحقوق الانسان ، فأن تدويل هذه الحقوق ترجع الى بداية الاهتمام المتزايد للمجتمع الدولي بهذه الحقوق والمتجسدة باهتمام الدول الاعضاء المنضوية في عصبة الامم بتضمين عهد العصبة موادا ً تصب في حقل حقوق الانسان  ، ونتيجة بشاعة الحرب العالمية الثانية وما افرزته من انتهاكات بعض انظمة الحكم لحقوق الانسان وتدهور الحريات الاساسية مما ادى الى المزيد من الاقتناع بوجوب اقرار نظام لحقوق الانسان وحماية دولية فعالة لها كشرط لإقرار الامن والسلام الدوليين ، وقد اقر ميثاق الامم المتحدة وخرج الى العلن في 25/يونيو/1945 وبالإجماع في مؤتمر سان فرانسيسكو مشيرا ً الى حقوق الانسان وحرياته الاساسية في عدد من الفقرات . وان معالجة هذا الميثاق لحقوق الانسان كانت بمثابة اشارات عامة مما دفع العديد من المختصين الى التأكيد الى عدم كفاية الميثاق لحل المشكلة ، خصوصا ً نه لم يشر (الميثاق) الى ما هية هذه الحقوق ؟ ، كما انه لم يوفر اجهزة معنية بالرقابة على ضمانها وحمايتها .

في بداية سنة 1946 انشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للمنظمة الدولية لجنة خاصة بحقوق الانسان ثم بحثت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع اعلان خاص بحقوق الانسان والحريات الاساسية في دورتها المنعقدة بلندن / يناير1946 ثم ت تحويل هذا المشروع الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي بدوره احاله الى اللجنة الخاصة بحقوق الانسان كي ترجع اليه في اعداد وثيقة دولية لحقوق الانسان  وقد قامت تلك اللجنة في اول اجتماعاتها عام 1947 بتفويض الاشخاص المسؤولين لصياغة المسودة الاولية للوثيقة الدولية لحقوق الانسان وانتهى الامر الى اعداد صياغة رسمية لهذا الاعلان تحمل تصريحا ً بالحقوق الانسانية للإنسان والحريات والتأمينات الاجتماعية على اختلاف انواعها وميادينها والتي يجب ان يتمتع بها الانسان كما انه يحمل ثلاثين بندا ً جوهريا ً

وقد أعلن بصفة (وثيقة) من قبل الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة والتي اجتمعت في (قصر شايو) في باريس في 10/12/1948 تحت عنوان (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) .

قد يعجبك ايضا