أصوات الصحافيين تخفت في السودان

 

التأخي / علاء الفريجي

في مدينة الجنينة، أقصى غرب السودان قرب الحدود مع تشاد، يتسلّق صحافيون سودانيون جبل عمير لالتقاط شبكات الاتصال التشادية لمراسلة وسائل الإعلام التي يعملون فيها بسبب انقطاع الاتصالات جراء الحرب .

ومنذ اندلاع الحرب قبل عامين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يغرق إقليم دارفور في ظلام إعلامي بسبب انقطاع الكهرباء والاتصالات واستهداف طرفي النزاع للصحافيين .

وتقول نون وهي صحافية سودانية، في اتصال مع وكالة فرانس برس من الجنينة في إقليم دارفور، “لا كهرباء ولا ماء ولا إنترنت،” مضيفة “نضطر للمشي مسافات طويلة لشحن هواتفنا” عبر ألواح الطاقة الشمسية المستحدثة .

والتحديات التي تواجه الصحافيين السودانيين لا تنتهي هنا. ففي حال تغلّبوا على العوائق اللوجستية، فإن فرص نجاتهم الجسدية أو الوصول إلى المعلومات والتحرّك على الأرض، أقل بكثير .

وفي عام 2024، كان السودان أحد أخطر الدول لممارسة الصحافة وثاني أكثر دولة يقتل فيها الصحافيون، بحسب لجنة حماية الصحافيين .

 

وتتابع الصحافية البالغة 35 عاما، التي طلبت تغيير اسمها لدواع أمنية، أنه بعد تغطية هجمات للدعم السريع في الجنينة، اقتحم مقاتلون منزلها و”سرقوا كلّ معداتي. كانت لدي كاميرا فيديو وكاميرا فوتو بملحقاتها. سرقوا كل شيء .

وتتحدّث نون عن اقتحامات أخرى استهدفت منزلها. وتروي “في المرة الثالثة التي اقتحموا فيها بيت عائلتي، ناداني أحدهم باسمي وسألني أين الكاميرات؟”

عندها قرّرت النزوح مع عائلتها إلى ولاية القضارف في شرق السودان. هناك، أوقفها الجيش أثناء تغطيتها تجمّعا للنازحين بتهمة التعاون مع الدعم السريع. وأطلق سراحها بعد توقيعها إقرارا بعدم ممارسة الصحافة دون “أخذ إذن الجيش في ما تكتب قبل النشر” ولم تعد نون لممارسة عملها الصحافي منذ أكثر من عام .

وتفيد منظمة “مراسلون بلا حدود”، فرَّ منذ بدء الحرب في السودان أكثر من 400 صحافي إلى الدول المجاورة. كما أصبحت وسائل إعلام كثيرة تبث من الخارج، تاركة صحافييها داخل السودان للعمل من دون مكاتب .

وبحسب نقابة الصحافيين السودانيين، قتل 28 صحافيا سودانيا على الأقل وتعرّض 68 للإخفاء القسري أو الاعتقال منذ بداية الحرب .

وفي مدينة ود مدني بولاية الجزيرة التي تعتبر سلة غذاء السودان، يربّي الصحافي يوسف (62 عاما) الماعز ويزرع الذرة السودانية الرفيعة (ودعكر) ويتبادل المنتجات مع جيرانه الذين يربّون الأبقار .

ويقول يوسف إن آخر راتب تلقاه مقابل عمله الصحافي الذي لم يتوقف منذ بدء الحرب، كان في بداية 2024، قبل أن تغلق الصحيفة التي يعمل فيها مكتبها في السودان وتنتقل للبث من القاهرة .

السودان كان في عام 2024 أحد أخطر الدول لممارسة الصحافة وثاني أكثر دولة يقتل فيها الصحافيون

 

ويؤكد يوسف أنه مستمر في تأدية عمله الصحافي بالاعتماد على الكهرباء من ألواح الطاقة الشمسية والإنترنت المتقطع، “أرسل الخبر للصحيفة وأنتظر أن يلتقط الهاتف الشبكة، ليتم الإرسال”  . وانقطع تواصل يوسف مع صحيفته لمدة ثمانية أشهر أثناء سيطرة الدعم السريع على ود مدني .

ويشير يوسف إلى أن مقاتلي الدعم السريع ألقوا القبض عليه داخل منزله في فبراير 2024، “وتم تقييد يديّ وعصب عينيّ ووضع الجنازير في قدمي وبقيت في الحبس لمدة ثلاثة أيام بلا طعام أو دورات مياه .

ويقول “سألني المحقّق هل أنت صحافي؟ قلت نعم. قال لي: هذه أكبر جريمة.” ولم يطلق سراح يوسف إلا بعد أن وقّع عمدة الحي ضمانا بألا يخرج يوسف من منزله

ويعمل إبراهيم (30 عاما) كمصوّر صحافي حرّ، وهو واحد من قلائل ما زالوا يعملون من داخل إقليم دارفور الذي يشهد معارك عنيفة بينما يعاني سكانه من الجوع .

وفي مدينة طويلة التي تستقبل عددا كبيرا من نازحي الفاشر، يجلس إبراهيم وزملاؤه في مقهى لشحن هواتفهم على لوح للطاقة الشمسية مصنوع من مواد بسيطة ومتاح للاستخدام العام . ويقول “هاتفي هو كل ما أملك للتصوير وتعديل الصور وتغطية” الأحداث في مدينة طويلة ومخيمات النزوح المحيطة بالفاشر، عاصمة شمال دارفور .

ويوضح إبراهيم أنه يضطر إلى أن يمارس عمله “بسرية تامة. لو عرفوا أنني أقوم بتغطية الأحداث، قد يتم اعتقالي مرة أخرى أو قد يصادرون هاتفي .

ونزح إبراهيم إلى طويلة تاركا في الفاشر ما تبقى لديه من معدات وكاميرات خوفا من اكتشاف عمله الصحافي في حال تم توقيفه عند نقاط التفتيش. ويتساءل “من سيوصل ما يحدث في دارفور إن خرجنا كلنا؟ لا أحد يحكي ما يحدث في دارفور سوانا والانتهاكات هنا لا يتصورها أحد ” .

 

قد يعجبك ايضا