أحمد الرمضاني
يتأمل الأديب العماني أحمد الرمضاني في كتابه “وعودُ اليمامةِ لجسدٍ معطوبٍ” أحوال الإنسان، وتقلبات الدهر على مدار العمر، وكيف يكون الإنسان في لحظة بعيدًا كل البعد عن أمر معين، وفجأة تتقلب الظروف والأحداث فيجري اليوم ما كان مستبعدًا غدًا!
يضم الكتاب الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن عددًا من النصوص المنفصلة المتصلة. ويبدأ الرمضاني نصوصه بين الرجاء والتوسل والتساؤل، فيبدأ جملته الشعرية الأولى آمرًا ذلك الشخص القابع داخل رأسه قائلًا: “دع البابَ مواربًا، لا تغلقه ولا تفتحه، أحلامٌ بريَّة في الخارجِ تحلم بالترويضِ والدفءِ، هواجسُ دفينةٌ في الداخلِ ترنو إلى الفضاءاتِ الشاسعة. ما الحياة سوى ركامٍ على العتبة، والموت ريح مباغتة؟”.
وفي مقطعٍ يبدأه بـ”بكاء أزرق” يقول محاولًا دفع الكآبة بعيدًا، مستعينًا بالأصدقاء الحقيقيين ليظل صامدًا أمام وطأة الحياة؛ يقول الرمضاني: “هكذا علَّقَ الشاعر الذي يحاول دحر الكآبة بما تبقَّى من أدبٍ وطبيعةٍ وقليل من أصدقاءَ بقوا صامدين، بكاءٌ أزرق يغسل القلب المعلَّق الهائم بين رؤوسِ جبالٍ ونخيلٍ، بين هديل يمامات ونقيق ضفادع لا يقطعها سوى صوت حنجرة المؤذِّن أو مشهد شهبٍ تذوي في سماء مطفأَة كإغفاءة الوليد”.
ويرصد الرمضاني حال أولئك الذين ينعمون بسكون الليل قائلًا: “مساجد الفلاحين قلوبهم المنسية مضاءةً، دليلًا للنسائم الهائمة على وجوه النخل، للذين ضلَّ النوم طريقَه إليهم. الصلوات ما زالت تتسامى والمصحف المشعُّ على الرف والحناجر المجروحة بسكون الليل ماذا بمحراب النسيان سفكتم أيها الفلاحون؟! ريثما ينهي الفلج مهمَّته بنقاء النور والنداوة”.
ويؤكد الرمضاني الحقيقة الفلسفية أن النقص من طبائع البشر، فيقول: “اللوحة ناقصة وهنا يكمن جمالها!”.
وفي فقرة تأملية أخرى يزاوج الرمضاني بين الرسم والشعر في مشهد واقعي تأملي فيقول: “أن تتخذ مكانًا قصيًّا ظهيرةَ يومٍ مرتبكٍ بين الفصول، تُعيد الفوضى المُحبَّبة إلى لوحتك والكلمات الهاربة من أحلامك، شدوُ يمامٍ نبوئيٍّ وعصافير، دواوينُ شعرٍ مبعثرة تأوي إليها كلَّما اشتدَّت حُمَّى البؤس واللاجدوى، وترفع نخب “الإحساس المقدس باللحظات العظيمة”.
وعن اختلاط الذكريات بالأفكار بالأحلام يقول الكاتب: “أحلامي المتكرِّرة، تلك السفن الجانحة، تسرح على متنها أرواح الراحلين والغرقى، الغرقى الذين قرَّروا العودة لكنهم علقوا في برزخ هُلاميٍّ يُدعى الأحلام، سفن جانحة تخبطها أمواج الذكرى دون أن ترتطم بصخرة الواقع، هكذا أصحو مصابًا بدوار البحر وأمل أمَّهاتٍ في عودة أبنائهن من الحرب”.
ويقرُّ الرمضاني أن الرؤى جزء من عالم العقل الباطن والإلهام الرباني قائلًا: “تلك الرؤى التي تتكرَّر عن عناقيد نجوم ساطعة وقريبة من سطح بيتنا القديم، لا بد أنها تعني شيئًا ما، شيئًا أقوى من المعنى لذلك تأتي على هيئة حلم!”.
ويغور بنا الرمضاني في أعماق روحه مفتشًا عن الشعر والتيه الذي يعنون المرحلة، قائلًا:
“أنا الذي ظنَّ أنه ضيَّع البوصلة
وجدتُ الوجهة في التيه
أحرقت كتبًا وقصائد
وبجوار بقع شمسٍ على حائط
ترجَّلتُ للمرة الأخيرة
الحائط الذي في ثقبه دسستُ قصاصة المتنبي: (على قلق كأن الريح تحتي”.
ويمزج الرمضاني مواقف الحياة اليومية بخيالات الكاتب بأحداث العالم المأساوية، فيحكي عن زيارته إلى قسم الأورام بأحد المستشفيات، فيقول: “خلال تردُّدي على هذا المستشفى وتجوُّلي بين أقسامه سواءً في زياراتي لمعارفي المرضى المنوَّمين في الأقسام أو أيام التدريب الصيدلاني، كانت هناك لوحة ناشزة ومنفِّرة من بين اللوحات، بدت غريبة وكأنها من كوكب آخر، [قسم الأورام] كنت أشعر بطريقة ما أنه من الأقسام الماورائية، جناح موجود وغير موجود، كنت أتجاهله وأتحاشاه، ولا أحب أن أفكر فيه ولا في مرضاه، عادتي في المواجهة هي التجاهل، أتجاهل الشيء فيختفي، هكذا ببساطة”.
ومن الجدير بالذكر أن الرمضاني من مواليد قرية سرور عام 1987، ويعمل صيدلانياً.